عَلَى بُطْلَانِ اشْتِرَاطِ مُحَلِّلِ السِّبَاقِ وَالنِّضَالِ " بَيَانَ بُطْلَانِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَجْهًا، وَبَيَّنَّا ضَعْفَ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مَنْ اشْتَرَطَهُ، وَكَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي ضَعْفِهِ، وَعَدَمِ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ وَجْهِ الْحِيلَةِ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يُقْنَعُ بِهَذَا قَالُوا وَهَكَذَا فِي الْكِتَابِ؛ فَالْحِيلَةُ عَلَى تَخَلُّصِ الْمُتَسَابِقَيْنِ الْمُخْرِجَيْنِ مِنْهُ أَنْ يُمَلِّكَا الْعِوَضَيْنِ لِثَالِثٍ يَثِقَانِ بِهِ، وَيَقُولُ الثَّالِثُ: أَيُّكُمَا سَبَقَ فَالْعِوَضَانِ لَهُ، وَإِنْ جِئْتُمَا مَعًا فَالْعِوَضَانِ بَيْنَكُمَا؛ فَيَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَيْسَتْ حِيلَةً عَلَى جَوَازِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَلَا تَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقٍّ، وَلَا تُدْخِلُ فِي مَأْثَمٍ؛ فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ حِيلَةٌ فِي اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ]
[اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ]
الْمِثَالُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فَوْقَ ثَلَاثٍ عَلَى أَصَحِّ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ عَلَى تَفَاصِيلَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى جَوَازِهِ؛ لِكَوْنِ الْمَبِيعِ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِعْلَامُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ أَوْ لَغَيْبَةِ مَنْ يُشَاوِرُهُ وَيَثِقُ بِرَأْيِهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ الْمَحْضُ جَوَازُهُ كَمَا يَجُوزُ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَالشَّارِعُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ مَا يَجُوزُ مِنْ الْمُدَّةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَجَعَلَهَا لَهُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُغْلَبُ فِي الْبُيُوعِ، فَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثًا فِي كُلِّ سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا، سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْجَوَازَ عَلَى قَوْلِ الْجَمِيعِ؛ فَالْمَخْرَجُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا، فَإِذَا قَارَبَ انْقِضَاءَ الْأَجَلِ فَسَخَهُ ثُمَّ اشْتَرَطَ ثَلَاثًا، وَهَكَذَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ مُحَرَّمَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْخِلُ فِي بَاطِلٍ، وَلَا تُخْرِجُ مِنْ حَقٍّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحِيلَةِ عَلَى إيجَارِ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ، وَقَدْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَحَيَّلَ عَلَى إيجَارِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا بِعُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
[الْمِثَالُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ حِيلَةٌ فِي الرَّهْنِ]
[حِيَلٌ فِي الرَّهْنِ]
الْمِثَالُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَ رَجُلًا مَالًا وَيَأْخُذَ مِنْهُ رَهْنًا، فَخَافَ أَنْ يَهْلِكَ الرَّهْنُ فَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ، فَالْمَخْرَجُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَيْنَ الَّتِي يُرِيدُ ارْتِهَانَهَا بِالْمَالِ الَّذِي يُقْرِضُهُ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُقْبِضْهُ، فَإِنْ وَثِقَ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ تَرَكَهُ عِنْدَهُ، فَإِنْ تَلِفَ تَلِفَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَإِنْ بَقِيَ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ مِنْهُ مَتَى شَاءَ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَالَ أَقَالَهُ الْبَائِعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute