للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ: إحْدَاهَا: أَنْ يَقُولَا أَيُّنَا أَدَّاهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ، الثَّانِيَةُ: عَكْسُهُ، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْتُهُ أَنَا رَجَعْت بِهِ عَلَيْك، وَلَا تَرْجِعُ بِهِ عَلَيَّ إنْ أَدَّيْتَهُ، الرَّابِعَةُ: عَكْسُهُ، فَالصُّورَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى حِيلَةٍ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ فَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِمَا أَنْ يَضْمَنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ الْمَدِينِ مَا عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ، ثُمَّ يَجِيءُ شَرِيكُهُ فَيَضْمَنُ مَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا أَدَّى هَذَا الشَّرِيكُ الْمَالَ رَجَعَ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَالْأَصِيلِ، وَإِذَا أَدَّاهُ شَرِيكُهُ وَالْأَصِيلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشَّرِيكِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ صَارَ صَاحِبَ الْأَصْلِ هَاهُنَا، فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ لَرَجَعَ هُوَ عَلَيْهِ، فَمِنْ حَيْثُ يَثْبُتُ يَسْقُطُ، فَلَا مَعْنَى لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ.

[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ تَحَيُّلُ الْمَظْلُومِ عَلَى مَسَبَّةِ النَّاسِ لِلظَّالِمِ]

[تَحَيُّلُ الْمَظْلُومِ عَلَى مَسَبَّةِ النَّاسِ لِلظَّالِمِ]

الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: لَا بَأْسَ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَحَيَّلَ عَلَى مَسَبَّةِ النَّاسِ لِظَالِمِهِ، وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالْأَخْذِ مِنْ عِرْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ؛ إذْ لَعَلَّ ذَلِكَ يَرْدَعُهُ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَى ظُلْمِهِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ أَخَذَ مَالَهُ فَلَبِسَ أَرَثَّ الثِّيَابِ بَعْدَ أَحْسَنِهَا، وَأَظْهَرَ الْبُكَاءَ وَالنَّحِيبَ وَالتَّأَوُّهَ، أَوْ آذَاهُ فِي جِوَارِهِ فَخَرَجَ مِنْ دَارِهِ، وَطَرَحَ مَتَاعَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ أَخَذَ دَابَّتَهُ فَطَرَحَ حِمْلَهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَجَلَسَ يَبْكِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ هَذَا مِمَّا يَدْعُو النَّاسَ إلَى لَعْنِ الظَّالِمِ لَهُ وَسَبِّهِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَرْشَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَظْلُومَ بِأَذَى جَارِهِ لَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ، فَفِي السُّنَنِ وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَارِهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاصْبِرْ، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَك فِي الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ» هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد.

[الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ مِنْ لَطَائِفِ حِيَلِ أَبِي حَنِيفَةَ]

[مِنْ لَطَائِفِ حِيَلِ أَبِي حَنِيفَةَ]

الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: مَا ذُكِرَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: أَدْرِكْنِي قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِلَّا طَلَّقْت امْرَأَتِي، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تَرَكَتْ اللَّيْلَةَ كَلَامِي، فَقُلْت لَهَا: إنْ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَلَمْ تُكَلِّمِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَدْ تَوَسَّلْت إلَيْهَا بِكُلِّ أَمْرٍ أَنْ تُكَلِّمَنِي فَلَمْ تَفْعَلْ، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَمُرْ مُؤَذِّنَ الْمَسْجِدِ أَنْ يَنْزِلَ فَيُؤَذِّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَعَلَّهَا إذَا سَمِعَتْهُ أَنْ تُكَلِّمَك، وَاذْهَبْ إلَيْهَا وَنَاشِدْهَا أَنْ تُكَلِّمَك قَبْلَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ، وَجَلَسَ يُنَاشِدُهَا، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَتْ: قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَتَخَلَّصْت مِنْك، فَقَالَ: قَدْ كَلَّمْتِنِي قَبْلَ الْفَجْرِ وَتَخَلَّصْت مِنْ الْيَمِينِ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْحِيَلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>