فَيَحْصُلُ لَهُنَّ الْمِيرَاثُ بَعْدَ أَنْ كُنَّ مَحْرُومَاتٍ، وَأَمَّا أَنَّ الْبَعِيدَ مِنْ الْعَصَبَاتِ يَمْنَعُ الْأَقْرَبَ مِنْ الْمِيرَاثِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَارِثًا فَهَذَا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَهُوَ عَكْسُ قَاعِدَةِ الشَّرِيعَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَفِي الْحَدِيثِ مَسْلَكٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» الْمُرَادُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ» وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ بِالْقُوَّةِ أَوْ بِالْفِعْلِ، فَإِذَا كَانُوا كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ بِالْفِعْلِ كَانَ الْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ بِالْقُوَّةِ وَإِنْ حُجِبَ عَنْ الْفَرْضِ بِغَيْرِهِ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ مَعَهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ إذَا كَانَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ مُطْلَقًا مَعْدُومِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْبَنَاتِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مِيرَاثُ الْبَنَاتِ وَقَدْ دَلَّ صَرِيحُ النَّصِّ عَلَى أَنَّ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفَ وَلِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، بَقِيَ الثِّنْتَانِ، فَأَشْكَلَ دَلَالَةُ الْقُرْآنِ عَلَى حُكْمِهِمَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأُخْتَيْنِ.
قَالُوا: وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - نَصَّ عَلَى الْأُخْتَيْنِ دُونَ الْأَخَوَاتِ، وَنَصَّ عَلَى الْبَنَاتِ دُونَ الْبِنْتَيْنِ، فَأَخَذْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا مِنْ الْأُخْرَى.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ أُخِذَ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي الْأَخْذِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَخَذْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] فَإِذَا أَخَذَ الذَّكَرُ الثُّلُثَيْنِ وَالْأُنْثَى الثُّلُثَ عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ حَظَّ الْأُنْثَيَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا كَانَ لِلْوَاحِدَةِ مَعَ الذَّكَرِ الثُّلُثُ، لَا الرُّبْعُ، فَأَنْ يَكُونَ لَهَا الثُّلُثُ مَعَ الْأُنْثَى أَوْلَى وَأَحْرَى، وَهَذَا مِنْ تَنْبِيهِ النَّصِّ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَخَذْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] فَقُيِّدَ النِّصْفُ بِكَوْنِهَا وَاحِدَةً، فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهَا إلَّا فِي حَالِ وَحْدَتِهَا، فَإِذَا كَانَ مَعَهَا مِثْلُهَا فَإِمَّا أَنْ تُنْقِصَهَا عَنْ النِّصْفِ وَهُوَ مُحَالٌ أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَذَلِكَ يُبْطِلُ الْفَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: ١١] وَيَجْعَلُ ذَلِكَ لَغْوًا مُوهِمًا خِلَافَ الْمُرَادِ بِهِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَتَعَيَّنَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ انْتِقَالُ الْفَرْضِ مِنْ النِّصْفِ إلَى مَا فَوْقَهُ وَهُوَ الثُّلُثَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute