وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي الْقِيَاسِ وَالتَّقْلِيدِ، وَذَكَرْنَا مِنْ مَآخِذِهِمَا وَحُجَجِ أَصْحَابِهِمَا وَمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ مَا لَا يَجِدُهُ النَّاظِرُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْقَوْمِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَلَا يَظْفَرُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَبَدًا، وَذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَمَعُونَتِهِ وَفَتْحِهِ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ صَوَابٍ فَمِنْ اللَّهِ، هُوَ الْمَانُّ بِهِ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَطَأٍ فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَلَيْسَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَدِينُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصَلِّ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ]
فَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ، وَسُقُوطِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ عِنْدَ ظُهُورِ النَّصِّ، وَذِكْرِ إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ. [الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّ النَّصَّ لَا اجْتِهَادَ مَعَهُ]
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: ١] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: ٥١] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: ١٠٥] وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: ٥٧] وَقَالَ تَعَالَى: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: ٢٦] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ - وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: ٤٤ - ٤٧] فَأَكَّدَ هَذَا التَّأْكِيدَ وَكَرَّرَ هَذَا التَّقْرِيرَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِعِظَمِ مَفْسَدَةِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَهُ، وَعُمُومِ مَضَرَّتِهِ، وَبَلِيَّةِ الْأُمَّةِ بِهِ، وَقَالَ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣] وَأَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى مَنْ حَاجَّ فِي دِينِهِ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute