للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُلَالَةً} ؛ لِأَنَّهُ يَسِيلُ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ فَإِنَّمَا هُوَ فَضْلَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي الْمَعِدَةِ وَالْمَثَانَةِ؛ فَتَأَثُّرُ الْبَدَنِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَعْظَمُ مِنْ تَأَثُّرِهِ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ وَالرُّوحِ، بَلْ جَمِيعُ الْأَرْوَاحِ الْقَائِمَةِ بِالْبَدَنِ فَإِنَّهَا تَقْوَى بِالِاغْتِسَالِ، وَالْغُسْلُ يَخْلُفُ عَلَيْهِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَهَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِالْحِسِّ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَنَابَةَ تُوجِبُ ثِقَلًا وَكَسَلًا وَالْغُسْلُ يُحْدِثُ لَهُ نَشَاطًا وَخِفَّةً، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمَّا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ: كَأَنَّمَا أَلْقَيْتُ عَنِّي حِمْلًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا أَمْرٌ يُدْرِكُهُ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ وَفِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَجْرِي مَجْرَى الْمَصَالِحِ الَّتِي تُلْحَقُ بِالضَّرُورِيَّاتِ لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ، مَعَ مَا تُحْدِثُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ بُعْدِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ عَنْ الْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ، فَإِذَا اغْتَسَلَ زَالَ ذَلِكَ الْبُعْدُ، وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا نَامَ عَرَجَتْ رُوحُهُ، فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا أُذِنَ بِالسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُجْنِبَ إذَا نَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.

وَقَدْ صَرَّحَ أَفَاضِلُ الْأَطِبَّاءِ بِأَنَّ الِاغْتِسَالَ بَعْدَ الْجِمَاعِ يُعِيدُ إلَى الْبَدَنِ قُوَّتَهُ، وَيَخْلُفُ عَلَيْهِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ، وَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ، وَتَرْكُهُ مُضِرٌّ، وَيَكْفِي شَهَادَةُ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ بِحُسْنِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ لَوْ شَرَعَ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْبَوْلِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ حَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْأُمَّةِ تَمْنَعُهُ حِكْمَةُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ إلَى خَلْقِهِ.

[فَصَلِّ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَنَضْحُهُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ]

فَصْلٌ [ (٢) الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ]

وَأَمَّا غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَنَضْحِهِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ إذَا لَمْ يَطْعَمَا فَهَذَا لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا يُغْسَلَانِ جَمِيعًا.

وَالثَّانِي: يُنْضَحَانِ.

وَالثَّالِثُ: التَّفْرِقَةُ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَتَمَامِ حِكْمَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>