لِصُحْبَتِهِ، وَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ " وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَبِالِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمُنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ بِالْعِلْمِ، وَدَعَا لِابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنْ يُفَقِّهَهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ وَيَعْلَمَهُ التَّأْوِيلَ، وَضَمَّهُ إلَيْهِ مَرَّةً وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ» وَتَأَوَّلَ عُمَرُ فِي الْمَنَامِ الْقَدَحَ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رَأَى الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ وَأَوَّلَهُ بِالْعِلْمِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَوْمَ إنْ أَطَاعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ.
وَقَالَ: «رَضِيت لَكُمْ مَا رَضِيَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ» ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَفَضَائِلُهُمْ وَمَنَاقِبُهُمْ وَمَا خَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَالْفَضْلِ، أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، فَهَلْ يَسْتَوِي تَقْلِيدُ هَؤُلَاءِ وَتَقْلِيدُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ لَا يُدَانِيهِمْ وَلَا يُقَارِبُهُمْ؟ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ حُجَّةً، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بَلْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ قَلَّدْتُمُوهُ أَنَّ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ: يَجِبُ اتِّبَاعُهَا، وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي حِكَايَةُ أَلْفَاظِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَبْلَغُهُمْ فِيهِ الشَّافِعِيُّ، وَنُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُهُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، وَنَذْكُرُ نُصُوصَهُ فِي الْجَدِيدِ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَّ مَنْ حَكَى عَنْهُ قَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا حَكَى ذَلِكَ بِلَازِمِ قَوْلِهِ، لَا بِصَرِيحِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً فَقَبُولُ قَوْلِهِ حُجَّةٌ وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ، وَقَبُولُ قَوْلِ مَنْ سِوَاهُ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ سَائِغًا، فَقِيَاسُ أَحَدِ الْقَائِلِينَ عَلَى الْآخَرِ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ وَأَبْطَلَهُ.
[تَقْلِيدِ الْأُسْتَاذِينَ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّقْلِيدِ فِي الدِّينِ]
[مَا رَكَزَهُ اللَّهُ فِي فِطْرِ عِبَادِهِ مِنْ تَقْلِيدِ الْأُسْتَاذِينَ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّقْلِيدِ فِي الدِّينِ] : الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَوْلُكُمْ " وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي فِطَرِ الْعِبَادِ تَقْلِيدَ الْمُتَعَلِّمِينَ لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْأُسْتَاذَيْنِ فِي جَمِيعِ الصَّنَائِعِ وَالْعُلُومِ إلَى الْآخِرَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ، وَلَكِنْ كَيْفَ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ صِحَّةَ التَّقْلِيدِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَبُولَ قَوْلِ الْمَتْبُوعِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ تُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ، وَتَقْدِيمَ قَوْلِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَتَرْكِ الْحُجَّةِ لِقَوْلِهِ، وَتَرْكِ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِقَوْلِهِ؟ فَهَلْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي فِطْرَةِ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ؟ ثُمَّ يُقَالُ: بَلْ الَّذِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ طَلَبُ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ لِقَوْلِ الْمُدَّعِي، فَرَكَزَ سُبْحَانَهُ فِي فِطَرِ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ قَوْلَ مَنْ لَمْ يُقِمْ الدَّلِيلَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَقَامَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْبَرَاهِينَ الْقَاطِعَةَ وَالْحُجَجَ السَّاطِعَةَ وَالْأَدِلَّةَ الظَّاهِرَةَ وَالْآيَاتِ الْبَاهِرَةَ عَلَى صِدْقِ رُسُلِهِ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ وَقَطْعًا لِلْمَعْذِرَةِ، هَذَا وَهُمْ أَصْدَقُ خَلْقِهِ وَأَعْلَمُهُمْ وَأَبَرُّهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ، فَأَتَوْا بِالْآيَاتِ وَالْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ مَعَ اعْتِرَافِ أُمَمِهِمْ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَصْدَقُ النَّاسِ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ قَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute