مَخْرَجُ الْيَمِينِ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ، وَقَدْ حَكَوْا هُمْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَى التَّكْفِيرِ، وَالْحَنَابِلَةُ يُفْتِي كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِوُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ إلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُفْتُونَ بِالْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْوِيبِ، وَامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَمَسْأَلَةِ التَّبَاعُدِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَعَدَمِ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ مَسْأَلَةً، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ مَذْهَبًا لَهُ، فَإِذَا أَفْتَى الْمُفْتِي بِهِ مَعَ نَصِّهِ عَلَى خِلَافِهِ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنْ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبِهِ، فَمَا الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ؟ فَإِنْ قِيلَ: الْأَوَّلُ قَدْ كَانَ مَذْهَبًا لَهُ مَرَّةً، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ قَطُّ.
قِيلَ: هَذَا فَرْقٌ عَدِيمُ التَّأْثِيرِ؛ إذْ مَا قَالَ بِهِ وَصَرَّحَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ بِمَنْزِلِهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَتَقَيَّدُونَ بِالتَّقْلِيدِ الْمَحْضِ الَّذِي يَهْجُرُونَ لِأَجْلِهِ قَوْلَ كُلِّ مَنْ خَالَفَ مَنْ قَلَّدُوهُ.
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ذَمِيمَةٌ وَخَيْمَةٌ، حَادِثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، مُسْتَلْزِمَةٌ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْخَطَأِ، وَمُخَالِفَةٌ الصَّوَابَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَتَوَى الْمُفْتِي بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ]
[لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ] الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ: (يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِضِدِّ لَفْظِ النَّصِّ، وَإِنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ) .
وَمِثَالُهُ: أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، هَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ أَمْ لَا؟ فَيَقُولَ: لَا يُتِمُّهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» .
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّنْ مَاتَ عَلَيْهِ صِيَامٌ: هَلْ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ؟ فَيَقُولَ: لَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» .
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، هَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ؟ فَيَقُولَ: لَيْسَ أَحَقَّ بِهِ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ: «فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، هَلْ يُتِمُّ صَوْمَهُ؟ فَيَقُولَ: لَا يُتِمُّ صَوْمَهُ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ: «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute