للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ حَكَمَ أَوْ شَهِدَ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ؟ .

فَالْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي وَالشَّاهِدُ كُلٌّ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ؛ فَالْحَاكِمُ مُخْبِرٌ مُنَفِّذٌ، وَالْمُفْتِي مُخْبِرٌ غَيْرُ مُنَفِّذٍ، وَالشَّاهِدُ مُخْبِرٌ عَنْ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ الْمُطَابِقِ لِلْحُكْمِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ؛ فَمَنْ أَخْبَرَ مِنْهُمْ عَمَّا يَعْلَمُ خِلَافَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ عَمْدًا {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: ٦٠] ، وَلَا أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى دِينِهِ، وَإِنْ أَخْبَرُوا بِمَا لَمْ يَعْلَمُوا فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ جَهْلًا، وَإِنْ أَصَابُوا فِي الْبَاطِنِ، وَأَخْبَرُوا بِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ.

وَهُمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْقَاذِفِ إذَا رَأَى الْفَاحِشَةَ وَحْدَهُ فَأَخْبَرَ بِهَا فَإِنَّهُ كَاذِبٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِخْبَارِ بِهَا إلَّا إذَا كَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا عِنْدَ اللَّهِ فِي خَبَرٍ مُطَابِقٍ لِمَخْبَرِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ فَكَيْفَ بِمَنْ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِهِ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ بِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦] {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: ١١٧] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [الزمر: ٣٢] وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ التَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: ١٨] .

وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَقِّ الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّارِ فَإِنَّهَا مُتَنَاوِلَةٌ لِمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فِي تَوْحِيدِهِ وَدِينِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمُخْطِئَ الْمَأْجُورَ إذَا بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي إصَابَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُطِيعَ لِلَّهِ وَإِنْ أَخْطَأَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[الْوَاجِبُ عَلَى الرَّاوِي وَالْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ]

[الْوَاجِبُ عَلَى الرَّاوِي وَالْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ] الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ [ة]

حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَظْهَرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَلْسِنَةٍ: لِسَانِ الرَّاوِي، وَلِسَانِ الْمُفْتِي، وَلِسَانِ الْحَاكِمِ، وَلِسَانِ الشَّاهِدِ؛ فَالرَّاوِي يَظْهَرُ عَلَى لِسَانِهِ لَفْظُ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْمُفْتِي يَظْهَرُ عَلَى لِسَانِهِ مَعْنَاهُ وَمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْحَاكِمُ يَظْهَرُ عَلَى لِسَانِهِ الْإِخْبَارُ بِحُكْمِ اللَّهِ وَتَنْفِيذِهِ، وَالشَّاهِدُ يَظْهَرُ عَلَى لِسَانِهِ الْإِخْبَارُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُثْبِتُ حُكْمَ الشَّارِعِ.

وَالْوَاجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يُخْبِرُوا بِالصِّدْقِ الْمُسْتَنِدِ إلَى الْعِلْمِ، فَيَكُونُونَ عَالِمِينَ لِمَا يُخْبِرُونَ بِهِ، صَادِقِينَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ، وَآفَةُ أَحَدِهِمْ الْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ، فَمَتَى كَتَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>