للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدِّمَاءُ إلَى رَبِّهَا عَجِيجًا، تُبَدَّلُ فِيهِ الْأَحْكَامُ، وَيُقْلَبُ فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَيُجْعَلُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمُنْكَرَاتِ، وَاَلَّذِي لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، الْحَقُّ فِيهِ غَرِيبٌ، وَأَغْرُبُ مِنْهُ مَنْ يَعْرِفُهُ، وَأَغْرُبُ مِنْهُمَا مَنْ يَدْعُو إلَيْهِ، وَيَنْصَحُ بِهِ نَفْسَهُ وَالنَّاسَ، قَدْ فَلَقَ بِهِمْ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ صُبْحَهُ عَنْ غَيَاهِبِ الظُّلُمَاتِ، وَأَبَانَ طَرِيقَهُ الْمُسْتَقِيمَ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الطُّرُقِ الْجَائِرَاتِ، وَأَرَاهُ بِعَيْنِ قَلْبِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ مَعَ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْخَلْقِ مِنْ الْبِدَعِ الْمُضِلَّاتِ، رَفَعَ لَهُ عَلَمَ الْهِدَايَةِ فَشَمَّرَ إلَيْهِ، وَوَضَّحَ لَهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فَقَامَ، وَاسْتَقَامَ عَلَيْهِ، وَطُوبَى لَهُ مِنْ وَحِيدٍ عَلَى كَثْرَةِ السُّكَّانِ، غَرِيبٍ عَلَى كَثْرَةِ الْجِيرَانِ، بَيْنَ أَقْوَامٍ رُؤْيَتُهُمْ قَذَى الْعُيُونِ، وَشَجَى الْحُلُوقِ، وَكَرْبُ النُّفُوسِ، وَحُمَّى الْأَرْوَاحِ وَغَمُّ الصُّدُورِ، وَمَرَضُ الْقُلُوبِ.

وَإِنْ أَنْصَفْتَهُمْ لَمْ تَقْبَلْ طَبِيعَتُهُمْ الْإِنْصَافَ، وَإِنْ طَلَبْته مِنْهُمْ فَأَيْنَ الثُّرَيَّا مِنْ يَدِ الْمُلْتَمِسِ، قَدْ انْتَكَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَعَمِيَ عَلَيْهِمْ مَطْلُوبُهُمْ، رَضُوا بِالْأَمَانِيِّ، وَابْتُلُوا بِالْحُظُوظِ، وَحَصَلُوا عَلَى الْحِرْمَانِ، وَخَاضُوا بِحَارَ الْعِلْمِ لَكِنْ بِالدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ وَشَقَاشِقِ الْهَذَيَانِ، وَلَا وَاَللَّهِ مَا ابْتَلَّتْ مِنْ وَشَلِهِ أَقْدَامُهُمْ، وَلَا زَكَتْ بِهِ عُقُولُهُمْ وَأَحْلَامُهُمْ، وَلَا ابْيَضَّتْ بِهِ لَيَالِيهِمْ وَأَشْرَقَتْ بِنُورِهِ أَيَّامُهُمْ، وَلَا ضَحِكَتْ بِالْهُدَى وَالْحَقِّ مِنْهُ وُجُوهُ الدَّفَاتِرِ إذْ بُلَّتْ بِمِدَادِهِ أَقْلَامُهُمْ، أَنْفَقُوا فِي غَيْرِ شَيْءٍ نَفَائِسَ الْأَنْفَاسِ، وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ وَحَيَّرُوا مَنْ خَلْفَهُمْ مِنْ النَّاسِ، ضَيَّعُوا الْأُصُولَ فَحُرِمُوا الْوُصُولَ، وَأَعْرَضُوا عَنْ الرِّسَالَةِ، فَوَقَعُوا فِي مَهَامِهِ الْحَيْرَةِ وَبَيْدَاءِ الضَّلَالَةِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِصْمَةَ مَضْمُونَةٌ فِي أَلْفَاظِ النُّصُوصِ وَمَعَانِيهَا فِي أَتَمِّ بَيَانٍ وَأَحْسَنِ تَفْسِيرٍ، وَمَنْ رَامَ إدْرَاكَ الْهُدَى، وَدِينِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ مِشْكَاتِهَا فَهُوَ عَلَيْهِ عَسِيرٌ غَيْرُ يَسِيرٍ.

[فَصْلٌ مِنْ أَدَبِ الْمُفْتِي أَنْ يَتَوَجَّهَ لِلَّهِ لِيُلْهِمَهُ الصَّوَابَ]

فَصْلٌ:

[مِنْ أَدَبِ الْمُفْتِي أَنْ يَتَوَجَّهَ لِلَّهِ لِيُلْهِمَهُ الصَّوَابَ] الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي الْمُوَفَّقِ إذَا نَزَلَتْ بِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنْ يَنْبَعِثَ مِنْ قَلْبِهِ الِافْتِقَارُ الْحَقِيقِيُّ [الْحَالِيُّ] لَا الْعِلْمِيُّ الْمُجَرَّدُ إلَى مُلْهِمِ الصَّوَابِ، وَمُعَلَّمِ الْخَيْرِ، وَهَادِي الْقُلُوبِ، أَنْ يُلْهِمَهُ الصَّوَابَ، وَيَفْتَحَ لَهُ طَرِيقَ السَّدَادِ، وَيَدُلَّهُ عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَتَى قَرَعَ هَذَا الْبَابَ فَقَدْ قَرَعَ بَابَ التَّوْفِيقِ، وَمَا أَجْدَرَ مَنْ أَمَّلَ فَضْلَ رَبِّهِ أَنْ لَا يَحْرِمَهُ إيَّاهُ، فَإِذَا وَجَدَ مِنْ قَلْبِهِ هَذِهِ الْهِمَّةَ فَهِيَ طَلَائِعُ بُشْرَى التَّوْفِيقِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَجِّهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>