وَأَجَابَ شَمْسُ الدِّينِ الْكُرْدِيُّ بِقَوْلِهِ:
قُلْ لِلْمَعَرِّيِّ عَارٌ أَيُّمَا عَارِ ... جَهْلُ الْفَتَى وَهْوَ عَنْ ثَوْبِ التُّقَى عَارِ
لَا تَقْدَحَنَّ زِنَادَ الشِّعْرِ عَنْ حِكَمٍ ... شَعَائِرُ الشَّرْعِ لَمْ تُقْدَحْ بِأَشْعَارِ
فَقِيمَةُ الْيَدِ نِصْفُ الْأَلْفِ مِنْ ذَهَبٍ ... فَإِنْ تَعَدَّتْ فَلَا تَسْوَى بِدِينَارِ
[فَصَلِّ حِكْمَةُ جَعْلِ نِصَابِ السَّرِقَةِ رُبُعَ دِينَارٍ]
وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْقَطْعِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مِقْدَارٍ يُجْعَلُ ضَابِطًا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ فِلْسٍ أَوْ حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ، وَلَا تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِهَذَا، وَتُنَزَّهُ حِكْمَةُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ، وَكَانَتْ الثَّلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوَّلَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، وَهِيَ مِقْدَارُ رُبُعِ دِينَارٍ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ: كَانُوا لَا يَقْطَعُونَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ؛ فَإِنَّ عَادَةَ النَّاسِ التَّسَامُحُ فِي الشَّيْءِ الْحَقِيرِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، إذْ لَا يَلْحَقُهُمْ ضَرَرٌ بِفَقْدِهِ، وَفِي التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ حِكْمَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّهَا كِفَايَةُ الْمُقْتَصِدِ فِي يَوْمِهِ لَهُ وَلِمَنْ يَمُونُهُ غَالِبًا، وَقُوتُ الْيَوْمِ لِلرَّجُلِ وَأَهْلِهِ لَهُ خَطَرٌ عِنْدَ غَالِبِ النَّاسِ؛ وَفِي الْأَثَرِ الْمَعْرُوفِ: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»
[فَصَلِّ حِكْمَةُ حَدِّ الْقَذْفِ بِالزِّنَا دُونَ الْكُفْرِ]
فَصْلٌ [ (٩) حِكْمَةُ حَدِّ الْقَذْفِ بِالزِّنَا دُونَ الْكُفْرِ] وَأَمَّا إيجَابُ حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلَى مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِالزِّنَا دُونَ الْكُفْرِ فَفِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ؛ فَإِنَّ الْقَاذِفَ غَيْرَهُ بِالزِّنَا لَا سَبِيلَ لِلنَّاسِ إلَى الْعِلْمِ بِكَذِبِهِ، فَجُعِلَ حَدُّ الْفِرْيَةِ تَكْذِيبًا لَهُ، وَتَبْرِئَةً لِعِرْضِ الْمَقْذُوفِ، وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي يُجْلَدُ مَنْ رَمَى بِهَا مُسْلِمًا؛ وَأَمَّا مَنْ رَمَى غَيْرَهُ بِالْكُفْرِ فَإِنَّ شَاهِدَ حَالِ الْمُسْلِمِ وَاطِّلَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا كَافٍ فِي تَكْذِيبِهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ بِكَذِبِهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يَلْحَقُهُ بِكَذِبِهِ عَلَيْهِ فِي الرَّمْيِ بِالْفَاحِشَةِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ امْرَأَةً؛ فَإِنَّ الْعَارَ وَالْمَعَرَّةَ الَّتِي تَلْحَقُهَا بِقَذْفِهِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَتَشَعُّبَ ظُنُونِ النَّاسِ وَكَوْنَهُمْ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ لَا يَلْحَقُ مِثْلَهُ بِالرَّمْيِ بِالْكُفْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute