إذَا عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ أَعْلَمَهُ بِهِ مَنْ يَسْكُنُ إلَى قَوْلِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُ قَوْلِ الرَّسُولِ إنَّ هَذَا خَطُّهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ فَاسِقًا، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ وَالْعُرْفِ، وَكَذَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الرَّجُلِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ كِتَابَةِ الْوَقْفِ عَلَى كِتَابٍ أَوْ رِبَاطٍ، أَوْ خَانٍ أَوْ نَحْوَهُ فَيَدْخُلُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَجِدُهُ بِخَطِّ أَبِيهِ فِي بَرْنَامَجِهِ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، فَيَحْلِفُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَطِّ الزَّوْجِ أَنَّهُ أَبَانَهَا فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَاءً عَلَى الْخَطِّ، وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْوَارِثُ يَعْتَمِدُ عَلَى خَطِّ الْمُوصِي فَيُنَفِّذُ مَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَانِ، وَكَذَا إذَا كَتَبَ الرَّاوِي إلَى غَيْرِهِ حَدِيثًا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ وَيَعْمَلَ بِهِ، وَيَرْوِيَهُ بِنَاءً عَلَى الْخَطِّ إذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ، هَذَا عَمَلُ الْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ عَهْدِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى الْآنَ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ، لَيْسَ مَعَهُ فِيمَا يُفْتِي بِهِ إلَّا مُجَرَّدُ كِتَابٍ قِيلَ: إنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ، فَهُوَ يَقْضِي بِهِ وَيُفْتِي وَيُحِلُّ وَيُحَرِّمُ، وَيَقُولُ: هَكَذَا فِي الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرْسِلُ كُتُبَهُ إلَى الْمُلُوكِ وَإِلَى الْأُمَمِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَتَقُومُ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِكِتَابِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْكَرَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[حَدَثَتْ حَادِثَةٌ لَيْسَ فِيهَا قَوْلٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ]
[مَا الْعَمَلُ إذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ لَيْسَ فِيهَا قَوْلٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ] الْفَائِدَةُ السَّبْعُونَ: إذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ لَيْسَ فِيهَا قَوْلٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، فَهَلْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا بِالْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمُ أَمْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ فَتَاوَى الْأَئِمَّةِ وَأَجْوِبَتُهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسْأَلُونَ عَنْ حَوَادِثَ لَمْ تَقَعْ قَبْلَهُمْ فَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَهَذَا يَعُمُّ مَا اجْتَهَدَ فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْرِفْ فِيهِ قَوْلَ مَنْ قَبْلَهُ وَمَا عَرَفَ فِيهِ أَقْوَالًا وَاجْتَهَدَ فِي الصَّوَابِ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ وَاخْتِلَافِ الْحَوَادِثِ، وَمَنْ لَهُ مُبَاشَرَةٌ لِفَتَاوَى النَّاسِ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُولَ، وَإِنْ اتَّسَعَ غَايَةَ الِاتِّسَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَفِي بِوَقَائِعِ الْعَالَمِ جَمِيعًا، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ الْوَقَائِعَ رَأَيْتَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً وَاقِعَةً وَهِيَ غَيْرُ مَنْقُولَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا كَلَامٌ لِأَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ، وَلَا لِأَتْبَاعِهِمْ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْتَاءُ، وَلَا الْحُكْمُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَظْفَرَ فِيهَا بِقَائِلٍ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِبَعْضِ، أَصْحَابِهِ: إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَك فِيهَا إمَامٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute