وَشُبْهَةُ مَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ مُوجَبُ كَلَامِهِ، فَلَا يُقْبَلُ مَنْعُ رَفْعِهِ، وَلَا رَفْعِ بَعْضِهِ بَعْدَ لُزُومِهِ، وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ لَوْ صَحَّتْ لَمَا نَفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي طَلَاقٍ، وَلَا عَتَاقٍ، وَلَا إقْرَارٍ أَلْبَتَّةَ، نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ مُوجِبُ كَلَامِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ رَفْعُهُ، وَلَا رَفْعُ بَعْضِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ طَرَدَ هَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ؛ تَوَهُّمًا لِصِحَّةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ.
وَجَوَابُهَا: أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مُوجِبُ كَلَامِهِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَا دُونَهُ فَإِنَّ مُوجِبَ كَلَامِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُهُ وَتَمَامُهُ، مِنْ تَقْيِيدٍ بِاسْتِثْنَاءٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ، أَوْ بَدَلٍ أَوْ غَايَةٍ، فَتَكْلِيفُهُ نِيَّةَ ذَلِكَ التَّقْيِيدِ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَإِلْغَاؤُهُ إنْ لَمْ يَنْوِهِ أَوَّلًا تَكْلِيفُ مَا لَا يُكَلِّفُهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَا رَسُولُهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصْلٌ هَلْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]
فَصْلٌ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي إيقَاعِهِمَا، وَلَا الْحَلِفُ بِهِمَا، وَلَا الظِّهَارُ، وَلَا الْحَلِفُ بِهِ، وَلَا النَّذْرُ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْمَانِ، إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيِّ: وَإِذَا اسْتَثْنَى فِي الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ، وَقَدْ قَطَعَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: مَنْ حَلَفَ فَقَالَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا قَالَ ": أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " لَمْ تَطْلُقْ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ": الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَيْمَانِ.
قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَيْسَ لَهُ ثُنْيَا فِي الطَّلَاقِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَقَوْلُهُ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " قَدْ شَاءَ اللَّهُ الطَّلَاقَ حِينَ أَذِنَ فِيهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: مَنْ حَلَفَ فَقَالَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْأَيْمَانِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ: وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْوُقُوعُ، وَعَدَمُهُ، وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ " أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُ بِك إنْ شَاءَ اللَّهُ " ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ " أَنْتِ حُرَّةٌ يَوْمَ أَشْتَرِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ " صَارَتْ حُرَّةً، فَلَعَلَّ أَبَا حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ الْفَرْقَ بَيْنَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَلَا تَطْلُقُ "، وَأَنْتِ حُرَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَتُعْتَقُ اسْتَنَدَ إلَى هَذَا النَّصِّ، وَهَذَا مِنْ غَلَطِهِ عَلَى أَحْمَدَ، بَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute