[إخْرَاجُ النُّصُوصِ عَنْ ظَاهِرِهَا لِتُوَافِقَ مَذْهَبَ الْمُفْتِي]
لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ النُّصُوصِ عَنْ ظَاهِرِهَا لِتُوَافِقَ مَذْهَبَ الْمُفْتِي] الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ: إذَا سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ ظَاهِرِهَا بِوُجُوهِ التَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ لِمُوَافَقَةِ نِحْلَتِهِ وَهَوَاهُ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْمَنْعَ مِنْ الْإِفْتَاءِ وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: الْأَصْلُ قُرْآنٌ أَوْ سَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا اتَّصَلَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّ الْإِسْنَادُ بِهِ فَهُوَ الْمُنْتَهَى وَالْإِجْمَاعُ أَكْبَرُ مِنْ الْخَبَرِ الْفَرْدِ، وَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ فَمَا أَشْبَهَ مِنْهَا ظَاهِرَهُ أَوْلَاهَا بِهِ، فَإِذَا تَكَافَأَتْ الْأَحَادِيثُ فَأَصَحُّهَا إسْنَادًا أَوْلَاهَا، وَلَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ، مَا عَدَا مُنْقَطِعَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَلَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ وَلَا يُقَالُ لِأَصْلٍ: لِمَ؟ وَكَيْفَ؟ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْفَرْعِ: لِمَ؟ فَإِذَا صَحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَصْلِ صَحَّ وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، رَوَاهُ الْأَصَمُّ عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ فِي الْأَرْكَانِ الْإِسْلَامِيَّةِ ": ذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إلَى الِانْكِفَافِ عَنْ التَّأْوِيلِ، وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إلَى الرَّبِّ تَعَالَى، وَاَلَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقْدَ اتِّبَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ؛ فَالْأَوْلَى الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعِ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَمِ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ دَرَجَ صَحْبُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَعَانِيهَا وَدَرْكِ مَا فِيهَا، وَهُمْ صَفْوَةُ الْإِسْلَامِ، وَالْمُسْتَقِلُّونَ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَكَانُوا لَا يَأْلُونَ جَهْدًا فِي ضَبْطِ قَوَاعِدِ الْمِلَّةِ وَالتَّوَاصِي بِحِفْظِهَا، وَتَعْلِيمِ النَّاسِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ مَسُوغًا أَوْ مَحْتُومًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهَا فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُهُمْ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ لَهُمْ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنْ التَّأْوِيلِ، كَانَ ذَلِكَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ، فَحَقٌّ عَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنْزِيهَ الْبَارِي عَنْ صِفَاتِ الْمُحَدِّثِينَ، وَلَا يَخُوضُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْكِلَاتِ، وَيَكِلُ مَعْنَاهَا إلَى الرَّبِّ تَعَالَى.
وَعِنْدَ إمَامِ الْقُرَّاءِ وَسَيِّدِهِمْ الْوُقُوفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] مِنْ الْعَزَائِمِ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: ٧] .
وَمِمَّا اُسْتُحْسِنَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَالْإِيمَانُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute