للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشَرَ الْإِجَارَةُ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمُدَّة]

الْإِجَارَةُ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمُدَّةِ]

الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشَرَ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ دَارًا أَوْ حَانُوتًا، وَلَا يَدْرِي مُدَّةَ مُقَامِهِ، فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ سَنَةً فَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى التَّحَوُّلِ قَبْلَهَا. فَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَكَذَا، فَتَصِحَّ الْإِجَارَةُ وَتَلْزَمَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَتَصِيرَ جَائِزَةً فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الشُّهُورِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ عَقِيبَ كُلِّ شَهْرٍ إلَى تَمَامِ يَوْمٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ فَإِذَا خَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَتَحَوَّلَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَلْزَمَهُ أُجْرَتُهُ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا كُلَّ أُسْبُوعٍ بِكَذَا، فَإِنْ خَافَ التَّحَوُّلَ قَبْلَ الْأُسْبُوعِ اسْتَأْجَرَهَا كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا، وَيَصِحُّ وَيَكُونُ حُكْمُ الْيَوْمِ كَحُكْمِ الشَّهْرِ.

[الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ شِرَاء الْوَكِيل مَا وُكِّلَ فِيهِ لِنَفْسِهِ]

[شِرَاءُ الْوَكِيلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ لِنَفْسِهِ]

الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ: لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً مُعَيَّنَةً، فَلَمَّا رَآهَا الْوَكِيلُ أَعْجَبَتْهُ وَأَرَادَ شِرَاءَهَا لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ وَلَا غَدْرٍ بِالْمُوَكِّلِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ إيَّاهَا لِنَفْسِهِ عَزْلٌ لِنَفْسِهِ وَإِخْرَاجٌ لَهَا مِنْ الْوَكَالَةِ، وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ فِي حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتِهِ، وَإِذَا عَزَلَ [نَفْسَهُ] وَاشْتَرَى الْجَارِيَةَ لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ مَلَكَهَا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بَيْعٌ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَوْ شِرَاءٌ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ سَيِّدُهَا قَدْ رَكَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَعَزَمَ عَلَى إمْضَاءِ الْبَيْعِ لَهُ؛ فَيَكُونَ شِرَاءُ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، وَلَا يُقَالُ: " الْعَقْدُ لَمْ يَتِمَّ وَالشِّرَاءُ عَلَى شِرَائِهِ هُوَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْبَائِعِ فَسْخَ الْعَقْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَيَعْقِدَ مَعَهُ هُوَ " لِعِدَّةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا حَمْلٌ لِلْحَدِيثِ عَلَى الصُّورَةِ النَّادِرَةِ، وَالْأَكْثَرُ خِلَافُهَا.

الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ ذَلِكَ بِخِطْبَتِهِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ «نُهِيَ أَنْ يَسُومَ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» ، وَذَلِكَ أَيْضًا قَبْلَ الْعَقْدِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَرَّمَ الشَّارِعُ لِأَجْلِهِ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الْخِيَارِ، بَلْ هُوَ قَائِمٌ بَعْدَ الرُّكُونِ وَالتَّرَاضِي وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَاهُ كَمَا هُوَ قَائِمٌ بَعْدَ الْعَقْدِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ بِلَا مُوجِبٍ، فَيَكُونُ فَاسِدًا، فَإِنَّ شِرَاءَهُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ مُتَنَاوِلٌ لِحَالِ الشِّرَاءِ وَمَا بَعْدَهُ، وَاَلَّذِي غَرَّ مَنْ خَصَّهُ بِحَالَةِ الْخِيَارِ ظَنُّهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى مَنْ اشْتَرَى بَعْدَ شِرَاءِ أَخِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ اللَّفْظُ صَادِقٌ عَلَى الْقِسْمَيْنِ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ اخْتَصَّ اللَّفْظُ بِمَا بَعْدَ الشِّرَاءِ لَوَجَبَ تَعْدِيَتُهُ بِتَعَدِّيَةِ عِلَّتِهِ إلَى حَالَةِ السَّوْمِ.

أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، فَلَوْ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ لَكَانَ عَزْلًا لِنَفْسِهِ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>