للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَرَضِي بِسَاعَةٍ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: إذَا مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَأَنْتُمْ عُتَقَاءُ قَبْلَهُ بِسَاعَةٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ.

وَهَذِهِ حِيلَةٌ بَاطِلَةٌ؛ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ فِي حَالِ مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَمْ يُقَارِنْهُ أَثَرُهُ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَوْ نَجَّزَ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ لَكَانَ الْعِتْقُ مِنْ الثُّلُثِ وَالطَّلَاقُ غَيْرُ مَانِعٍ لِلْمِيرَاثِ، مَعَ مُقَارَنَةِ أَثَرِهِ لَهُ، وَقُوَّةِ الْمُنَجَّزِ وَضَعْفِ الْمُعَلَّقِ، وَأَيْضًا فَالشَّرْطُ هُوَ مَوْتُهُ فِي مَرَضِهِ، وَالْجَزَاءُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ هُوَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَالْجَزَاءُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْبِقَ شَرْطَهُ؛ إذْ فِي ذَلِكَ إخْرَاجُ الشَّرْطِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَحُكْمِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي الْحِيلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ.

[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ]

فَصْلٌ

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ] : وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا دِينَارٌ رَدِيءٌ وَمَعَ الْآخَرِ نِصْفُ دِينَارٍ جَيِّدٍ، فَأَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، قَالَ أَرْبَابُ الْحِيَلِ: الْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَهُ دِينَارًا بِدِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ يَأْخُذَ الْبَائِعُ الدِّينَارَ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ بِالنِّصْفِ، فَيُرِيدُ الْآخَرُ دِينَارًا عِوَضَهُ، فَيَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ الدِّينَارِ وَفَاءً، ثُمَّ يَسْتَقْرِضُهُ مِنْهُ، فَيَبْقَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ نِصْفُ دِينَارٍ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَيْهِ وَفَاءً عَنْ قَرْضِهِ، فَيَبْرَأُ مِنْهُ، وَيَفُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا كَانَ مَعَ الْآخَرِ.

وَمِثْلُ هَذِهِ الْحِيلَةِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ دِينَارًا يُوَفِّيهِ إيَّاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ نِصْفُ دِينَارٍ وَيُرِيدُ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ دِينَارًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ دِينَارًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ يُوَفِّيهِ نِصْفَ الدِّينَارِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَسْتَقْرِضُهُ مِنْهُ، ثُمَّ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ عَمَّا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَيَتَفَرَّقَانِ وَقَدْ بَقِيَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ نِصْفُ دِينَارٍ.

وَهَذِهِ الْحِيلَةُ مِنْ أَقْبَحِ الْحِيَلِ؛ فَإِنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ بِهَا عَنْ بَيْعِ دِينَارٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَلَا عَنْ تَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ تَوَصَّلَا إلَى ذَلِكَ بِالْقَرْضِ الَّذِي جَعَلَا صُورَتَهُ مُبِيحَةً لِصَرِيحِ الرِّبَا، وَلِتَأْخِيرِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَهَذَا غَيْرُ الْقَرْضِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَهُوَ قَرْضٌ لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ، وَإِنَّمَا اتَّخَذَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ تَلَاعُبًا بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ، وَاِتِّخَاذًا لِآيَاتِهِ هُزُوًا، وَإِذَا كَانَ الْقَرْضُ الَّذِي يَجُرُّ النَّفْعَ رِبًا عِنْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ، فَكَيْفَ بِالْقَرْضِ الَّذِي يَجُرُّ صَرِيحَ الرِّبَا وَتَأْخِيرُ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>