للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِانْتِشَارِ غَالِبًا، وَالِانْتِشَارُ الصَّادِرُ عَنْ الْمَسِّ فِي مَظِنَّةِ خُرُوجِ الْمَذْيِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ؛ فَأُقِيمَتْ هَذِهِ الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ لِخَفَائِهَا وَكَثْرَةِ وُجُودِهَا، كَمَا أُقِيمَ النَّوْمُ مَقَامَ الْحَدِيثِ، وَكَمَا أُقِيمَ لَمْسُ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ مَقَامَ الْحَدَثِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يُوجِبُ انْتِشَارَ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ وَثَوَرَانَهَا فِي الْبَدَنِ، وَالْوُضُوءُ يُطْفِئُ تِلْكَ الْحَرَارَةِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ بِالْحِسِّ، وَلَمْ يَكُنْ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ لِكَوْنِهِ نَجِسًا، وَلَا لِكَوْنِهِ مَجْرَى النَّجَاسَةِ حَتَّى يُورِدَ السَّائِلُ مَسَّ الْعَذِرَةَ وَالْبَوْلَ، وَدَعْوَاهُ بِمُسَاوَاةِ مَسِّ الذَّكَرِ لِلْأَنْفِ مِنْ أَكْذَبِ الدَّعَاوَى وَأَبْطَلْ الْقِيَاسِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الْحَدِّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ]

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَوْجَبَ الْحَدَّ فِي الْقَطْرَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْخَمْرِ دُونَ الْأَرْطَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ الْبَوْلِ " فَهَذَا أَيْضًا مِنْ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ، وَمُطَابِقَتِهَا لِلْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، وَقِيَامِهَا بِالْمَصَالِحِ؛ فَإِنَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي طِبَاعِ الْخَلْقِ النَّفْرَةَ عَنْهُ وَمُجَانَبَتَهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ الْوَازِعِ عَنْهُ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ كَافٍ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ.

وَأَمَّا مَا يَشْتَدُّ تَقَاضِي الطِّبَاعِ لَهُ فَإِنَّهُ غَلَّظَ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ شِدَّةِ تَقَاضِي الطَّبْعِ لَهُ، وَسَدِّ الذَّرِيعَةِ إلَيْهِ مِنْ قُرْبٍ وَبُعْدٍ، وَجَعَلَ مَا حَوْلَهُ حِمًى، وَمَنَعَ مِنْ قُرْبَانِهِ، وَلِهَذَا عَاقَبَ فِي الزِّنَا بِأَشْنَعِ الْقِتْلَاتِ، وَفِي السَّرِقَةِ بِإِبَانَةِ الْيَدِ، وَفِي الْخَمْرِ بِتَوْسِيعِ الْجَلْدِ ضَرَبًا بِالسَّوْطِ، وَمَنَعَ قَلِيلَ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ إذْ قَلِيلُهُ دَاعٍ إلَى كَثِيرِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ أَبَاحَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ الْمُسْكِرِ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يُسْكِرُ خَارِجًا عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْحِكْمَةِ وَمُوجِبِ النُّصُوصِ، وَأَيْضًا فَالْمَفْسَدَةُ الَّتِي فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَالضَّرَرِ الْمُخْتَصِّ وَالْمُتَعَدِّي أَضْعَافُ الضَّرَرِ وَالْمَفْسَدَةِ الَّتِي فِي شُرْبِ الْبَوْلِ وَأَكْلِ الْقَاذُورَاتِ، فَإِنَّ ضَرَرَهَا مُخْتَصٌّ بِمُتَنَاوِلِهَا.

[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي قَصْرِ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَرْبَعٍ دُونَ السَّرِيَّاتِ]

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَصَرَ عَدَدَ الْمَنْكُوحَاتِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَأَبَاحَ مِلْكَ الْيَمِينِ بِغَيْرِ حَصْرٍ " فَهَذَا مِنْ تَمَامِ نِعْمَتِهِ وَكَمَالِ شَرِيعَتِهِ، وَمُوَافَقَتِهَا لِلْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلْوَطْءِ وَقَضَاءِ الْوَطَرِ، ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ سُلْطَانُ هَذِهِ الشَّهْوَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ بِوَاحِدَةٍ، فَأَطْلَقَ لَهُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَةً، وَكَانَ هَذَا الْعَدَدُ مُوَافِقًا لِعَدَدِ طِبَاعِهِ وَأَرْكَانِهِ، وَعَدَدِ فُصُولِ سَنَتِهِ، وَلِرُجُوعِهِ إلَى الْوَاحِدَةِ بَعْدَ صَبْرِ ثَلَاثٍ عَنْهَا، وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، وَقَدْ عَلَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>