للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَوَازًا، بَلْ وُقُوعُ سَلْبِ سَبَبِيَّتِهَا عَنْهَا إذَا شَاءَ اللَّهُ وَدَفْعُهَا بِأُمُورٍ أُخْرَى نَظِيرَهَا أَوْ أَقْوَى مِنْهَا، مَعَ بَقَاءِ مُقْتَضَى السَّبَبِيَّةِ فِيهَا، كَمَا تُصْرَفُ كَثِيرٌ مِنْ أَسْبَابِ الشَّرِّ بِالتَّوَكُّلِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْعِتْقِ وَالصِّلَةِ، وَتُصْرَفُ كَثِيرٌ مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا بِضِدِّ ذَلِكَ، فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ خَيْرٍ انْعَقَدَ سَبَبُهُ ثُمَّ صُرِفَ عَنْ الْعَبْدِ بِأَسْبَابٍ أَحْدَثُهَا مَنَعَتْ حُصُولَهُ وَهُوَ يُشَاهِدُ السَّبَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ أُخِذَ بِالْيَدِ؟ وَكَمْ مِنْ شَرٍّ انْعَقَدَ سَبَبُهُ ثُمَّ صُرِفَ عَنْ الْعَبْدِ بِأَسْبَابٍ أَحْدَثُهَا مَنَعَتْ حُصُولَهُ؟ ، وَمَنْ لَا فِقْهَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا انْتِفَاعَ لَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِعِلْمِهِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

[رَدُّ النُّصُوصَ الْمُحْكَمَةَ الَّتِي تَفُوتُ الْعَدَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَكَلَّمَ وَيَتَكَلَّمُ]

الْمِثَالُ الْعَاشِرُ:

رَدَّ الْجَهْمِيَّةُ النُّصُوصَ الْمُحْكَمَةَ الصَّرِيحَةَ الَّتِي تَفُوتُ الْعَدَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَكَلَّمَ وَيَتَكَلَّمُ، وَكَلَّمَ وَيُكَلِّمُ، وَقَالَ وَيَقُولُ: وَأَخْبَرَ وَيُخْبِرُ، وَنَبَّأَ وَأَمَرَ وَيَأْمُرُ، وَنَهَى وَيَنْهَى، وَرَضِيَ وَيَرْضَى، وَيُعْطِي وَيُبَشِّرُ وَيُنْذِرُ وَيُحَذِّرُ، وَيُوَصِّلُ لِعِبَادِهِ الْقَوْلَ وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ، وَنَادَى وَيُنَادِي، وَنَاجَى وَيُنَاجِي، وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ، وَيَسْأَلُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُخَاطِبُهُمْ وَيُكَلِّمُ كُلًّا مِنْهُمْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٍ وَيُرَاجِعُهُ عَبْدُهُ مُرَاجَعَةً، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَنْوَاعٌ لِلْكَلَامِ وَالتَّكْلِيمِ، وَثُبُوتُهَا بِدُونِ ثُبُوتِ صِفَةِ التَّكَلُّمِ لَهُ مُمْتَنِعٌ، فَرَدَّهَا الْجَهْمِيَّةُ مَعَ إحْكَامِهَا وَصَرَاحَتِهَا وَتَعْيِينِهَا لِلْمُرَادِ مِنْهَا بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] .

[رَدُّ مُحْكَمَ قَوْلِهِ أَلَّا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ]

الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشَرَ:

رَدُّوا مُحْكَمَ قَوْلِهِ {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] وَقَوْلِهِ {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: ١٣] وَقَوْلِهِ {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: ١٠٢] وَقَوْلِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤] وَقَوْلِهِ {اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: ١٤٤] وَغَيْرِهَا مِنْ النُّصُوصِ الْمُحْكَمَةِ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٠٢] : وَقَوْلِهِ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: ٤٠] وَالْآيَتَانِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ؛ فَلَيْسَ " اللَّهُ " اسْمًا لِذَاتٍ لَا سَمْعَ لَهَا وَلَا بَصَرَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ لَهَا وَلَا كَلَامَ لَهَا وَلَا عِلْمَ، وَلَيْسَ هَذَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَكَلَامُهُ تَعَالَى وَعِلْمُهُ وَحَيَاتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ وَرَحْمَتُهُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ بِصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ الْخَالِقُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، وَأَمَّا إضَافَةُ الْقُرْآنِ إلَى الرَّسُولِ فَإِضَافَةُ تَبْلِيغٍ مَحْضٍ، لَا إنْشَاءٍ.

وَالرِّسَالَةُ تَسْتَلْزِمُ تَبْلِيغَ كَلَامِ الْمُرْسَلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْسَلِ كَلَامٌ يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا؛ وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ؛ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا فَقَدْ أَنْكَرَ رِسَالَةَ رُسُلِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ رِسَالَتِهِمْ تَبْلِيغُ كَلَامِ مَنْ أَرْسَلَهُمْ؛ فَالْجَهْمِيَّةُ وَإِخْوَانُهُمْ رَدُّوا تِلْكَ النُّصُوصَ الْمُحْكَمَةَ بِالْمُتَشَابِهِ، ثُمَّ صَيَّرُوا الْكُلَّ مُتَشَابِهًا، ثُمَّ رَدُّوا الْجَمِيعَ، فَلَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ فِعْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>