فَأَخَذَ الْوَالِي مَتَاعَهُ مِنْهُمْ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ؛ فَلَوْ عُمِلَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ مَعَ مَظْلُومٍ لَمْ تَنْفَعْ، وَحَنِثَ الْحَالِفُ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الدَّفْعُ عَنْهُ، وَبِالسُّكُوتِ قَدْ أَعَانَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْهُ.
[الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي بِرِّ زَوْجٍ وَزَوْجَتِهِ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا]
[حِيلَةٌ فِي بِرِّ زَوْجٍ وَزَوْجَتِهِ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا]
الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: مَا سُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ امْرَأَةٍ قَالَ لَهَا زَوْجُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا سَأَلْتَينِي الْخُلْعَ إنْ لَمْ أَخْلَعْك، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَسْأَلْك الْخَلْع الْيَوْمَ؛ فَجَاءَ الزَّوْجُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: أَحْضِرْ الْمَرْأَةَ؛ فَأَحْضَرَهَا، فَقَالَ لَهَا أَبُو حَنِيفَةَ: سَلِيهِ الْخُلْعَ، فَقَالَتْ: سَأَلَتْك أَنْ تَخْلَعَنِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: قُلْ لَهَا قَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ تُعْطِينِيهَا، فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا قَوْلِي: لَا أَقْبَلُ، فَقَالَتْ: لَا أَقْبَلُ، فَقَالَ: قَوْمِي مَعَ زَوْجِك فَقَدْ بَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا وَلَمْ يَحْنَثْ فِي شَيْءٍ، ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ لَهُ.
وَإِنَّمَا تَتِمُّ هَذِهِ الْحِيلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ فَلَوْ قَالَتْ لَهُ: " أَسْأَلُك الْخُلْعَ عَلَى أَلْفٌ دِرْهَمٍ حَالَّةً، أَوْ إلَى شَهْرٍ " فَقَالَ: " قَدْ خَلَعْتُك عَلَى ذَلِكَ " وَقَعَ الْخُلْعُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ لَهُ: " اخْلَعْنِي " قَالَ: " خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ " فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ خُلْعًا حَتَّى تَقْبَلَ وَتَرْضَى، وَهِيَ لَمْ تَرْضَ بِالْأَلْفِ؛ فَلَا يَقَعُ الْخُلْعُ.
[فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ إذًا لَمْ يَقَعْ الْخُلْعُ؟]
قِيلَ: هُوَ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ لَا عَلَى قَبُولِهَا؛ فَإِذَا قَالَ: " قَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ " فَقَدْ وُجِدَ الْخُلْعُ مِنْ جِهَتِهِ؛ فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ، وَلَمْ يَقِفْ حَلُّ الْيَمِينِ عَلَى قَبُولِهَا، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.
[الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ أَخَوَانِ زُفَّتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا زَوْجَةُ الْآخَرِ]
[أَخَوَانِ زُفَّتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا زَوْجَةُ الْآخَرِ]
الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِهِ أَيْضًا عَنْهُ أَتَاهُ أَخَوَانِ قَدْ تَزَوَّجَا بِأُخْتَيْنِ؛ فَزُفَّتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُمَا إلَى زَوْجِ أُخْتِهَا؛ فَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ عَلِمَ الْحَالَ لَمَّا أَصْبَحَا؛ فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَاهُ الْمَخْرَجَ، فَقَالَ لَهُمَا: كُلٌّ مِنْكُمَا رَاضٍ بِاَلَّتِي دَخَلَ بِهَا؟ فَقَالَا: نَعَمْ، فَقَالَ: لِيُطَلِّقْ كُلٌّ مِنْكُمَا امْرَأَتَهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً؛ فَفَعَلَا، فَقَالَ: لِيَعْقِدْ كُلٌّ مِنْكُمَا عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا، فَفَعَلَا، فَقَالَ: لِيَمْضِ كُلٌّ مِنْكُمَا إلَى أَهْلِهِ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ؛ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُصَانُ مَاؤُهُ عَنْ مَائِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِاَلَّتِي طَلَّقَهَا فَالْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْهُ، فَلِلْآخَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute