وَأَمَّا الْإِغْلَاقُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَالْوَاجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِيهِ عَلَى عُمُومِهِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ؛ فَكُلُّ مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَ قَصْدِهِ وَعِلْمِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ وَالْغَضْبَانِ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْإِغْلَاقِ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالْجُنُونِ أَوْ بِالسُّكْرِ أَوْ بِالْغَضَبِ أَوْ بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّمَا قَصَدَ التَّمْثِيلَ لَا التَّخْصِيصَ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ اللَّفْظَ يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لَوَجَبَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ تَعَدَّى بِتَعَدِّيهَا وَانْتَفَى بِانْتِفَائِهَا.
[فَصْلٌ الْأَلْفَاظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِينَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]
فَصْلٌ
[الْأَلْفَاظُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]
فَإِنْ تَمَهَّدَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ: الْأَلْفَاظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَنِيَّاتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ لِمَعَانِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تُظْهِرَ مُطَابَقَةَ الْقَصْدِ لِلَّفْظِ، وَلِلظُّهُورِ مَرَاتِبُ تَنْتَهِي إلَى الْيَقِينِ وَالْقَطْعِ بِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِحَسْبِ الْكَلَامِ فِي نَفْسِهِ وَمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ وَحَالُ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا إذَا سَمِعَ الْعَاقِلُ وَالْعَارِفُ بِاللُّغَةِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا، كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ، وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ فِي الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ إلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهَا» فَإِنَّهَا لَا يَسْتَرِيبُ وَلَا يَشُكُّ فِي مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَأَنَّهُ رُؤْيَةُ الْبَصَرِ حَقِيقَةً، وَلَيْسَ فِي الْمُمْكِنِ عِبَارَةٌ أَوْضَحُ وَلَا أَنَصُّ مِنْ هَذِهِ. وَلَوْ اُقْتُرِحَ عَلَى أَبْلَغِ النَّاسِ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عِبَارَةٍ أَوْضَحَ وَلَا أَنَصَّ مِنْ هَذِهِ، وَعَامَّةُ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ فَإِنَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَى الْأَمَدِ الْأَقْصَى مِنْ الْبَيَانِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَظْهَرُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَمْ يُرِدْ مَعْنَاهُ، وَقَدْ يَنْتَهِي هَذَا الظُّهُورُ إلَى حَدِّ الْيَقِينِ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّ السَّامِعُ فِيهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ مُرِيدًا لِمُقْتَضَاهُ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِمَعْنَى يُخَالِفُهُ؛ فَالْأَوَّلُ كَالْمُكْرَهِ وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَمَنْ اشْتَدَّ بِهِ الْغَضَبُ وَالسَّكْرَانِ، وَالثَّانِي: كَالْمُعَرِّضِ وَالْمُوَرِّي وَالْمُلْغِزِ وَالْمُتَأَوِّلِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ إرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ وَيَحْتَمِلُ إرَادَتَهُ غَيْرَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute