للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رَدَّهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ» .

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَقَرَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، وَالصَّوَابُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ لَهُ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَكَيْفَ تَجْعَلُ هَذَا الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ أَصْلًا تُرَدُّ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الْمَعْلُومَةُ وَيُجْعَلُ خِلَافُ الْأُصُولِ؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا جَعَلْنَاهَا خِلَافَ الْأُصُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] وَقَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: ٢٢١] وَقَوْلِهِ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ؛ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ دَوَامِهِ كَالرَّضَاعِ.

قِيلَ: لَا تُخَالِفُ السُّنَّةُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ، إلَّا هَذَا الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُصُولَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً وَالْكَافِرَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّيْنِ، وَهَذَا حَقٌّ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَلَكِنْ أَيْنَ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ مَا يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْفُرْقَةِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْ لَا تَتَوَقَّفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ افْتِرَاقَهُمَا فِي الدِّينِ سَبَبٌ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ، وَلَكِنَّ تَوَقُّفَ السَّبَبِ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَانْتِفَاءِ مَانِعِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَانْتَفَى الْمَانِعُ عَمِلَ عَمَلَهُ وَاقْتَضَى أَثَرَهُ، وَالْقُرْآنُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ، وَالسُّنَّةُ دَلَّتْ عَلَى شَرْطِ السَّبَبِ وَمَانِعُهُ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الَّتِي فَصَّلَتْ السُّنَّةَ شُرُوطَهَا وَمَوَانِعَهَا، كَقَوْلِهِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَقَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وَقَوْلِهِ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: ٣٨] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ بَيَانُ الشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ مُعَارِضَةً لِبَيَانِ الْأَسْبَابِ وَالْمُوجِبَاتِ فَتَعُودُ السُّنَّةُ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا مُعَارِضَةً لِلْقُرْآنِ، وَهَذَا مُحَالٌ.

[رَدُّ السَّنَةِ الصَّحِيحَةِ بِأَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ]

[ذَكَاةُ الْجَنِينِ]

الْمِثَالُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: رَدُّ السَّنَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ بِأَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ، بِأَنَّهَا خِلَافُ الْأُصُولِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ، فَيُقَالُ: الَّذِي جَاءَ عَلَى لِسَانِهِ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ هُوَ الَّذِي أَبَاحَ الْأَجِنَّةَ الْمَذْكُورَةَ؛ فَلَوْ قَدَّرَ أَنَّهَا مَيْتَةٌ لَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ السَّمَكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>