للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِالْبَصْرَةِ كَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَبِالشَّامِ كَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَبِمَكَّةَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِمِصْرِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَنْ هَذِهِ الْأَمْصَارِ انْتَشَرَ الْعِلْمُ فِي الْآفَاقِ، وَأَكْثَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّحْذِيرُ مِنْ الرَّأْيِ مَنْ كَانَ بِالْكُوفَةِ إرْهَاصًا بَيْنَ يَدَيْ مَا عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَحْدُثُ فِيهَا بَعْدَهُمْ.

[فَصْلٌ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

فَصْلٌ.

[تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

قَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ: وَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ - وَإِنْ ذَمُّوا الرَّأْيَ، وَحَذَّرُوا مِنْهُ، وَنَهَوْا عَنْ الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ بِهِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِلْمِ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ الْفُتْيَا وَالْقَضَاءُ بِهِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ، كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوِّضَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، وَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِكَاتِبِهِ: قُلْ هَذَا مَا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي الْأَمْرِ بِإِفْرَادِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجِّ: إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ، وَقَوْلِ عَلِيٍّ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: اتَّفَقَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنْ لَا يُبَعْنَ.

وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى شُرَيْحٍ: إذَا وَجَدْت شَيْئًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ، وَلَا تَلْتَفِتْ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ أَتَاك شَيْءٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ أَتَاك مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاقْضِ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَإِنْ أَتَاكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَك، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَك فَتَقَدَّمَ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَتَأَخَّرَ فَتَأَخَّرْ، وَمَا أَرَى التَّأَخُّرَ إلَّا خَيْرًا لَك، ذَكَرَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنْ عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ.

[طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا]

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ حُكْمٌ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَظَرَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بِهِ، فَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ سَأَلَ النَّاسَ: هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِقَضَاءٍ؟ فَرُبَّمَا قَامَ إلَيْهِ الْقَوْمُ فَيَقُولُونَ: قَضَى فِيهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سُنَّةً سَنّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ رُؤَسَاءَ النَّاسِ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ قَضَى بِهِ، وَكَانَ عُمَرُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَإِذَا أَعْيَاهُ أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ سَأَلَ: هَلْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ قَضَى فِيهِ بِقَضَاءٍ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>