للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الرِّيحِ وَالْجُشَاءِ فِي الْوُضُوء]

فَصْلٌ [الْحِكْمَةُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الرِّيحِ وَالْجُشَاءِ]

أَمَّا قَوْلُهُ: " وَفَرَّقَ بَيْنَ الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ وَبَيْنَ الْجَشْوَةِ فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ هَذِهِ دُونَ هَذِهِ " فَهَذَا أَيْضًا مِنْ مَحَاسِنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَكَمَالِهَا، كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَبَيْنَ الْعَذِرَةِ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ سَوَّى بَيْنَ الرِّيحِ وَالْجُشَاءِ فَهُوَ كَمَنْ سَوَّى بَيْنَ الْبَلْغَمِ وَالْعَذِرَةِ، وَالْجُشَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعُطَاسِ الَّذِي هُوَ رِيحٌ تَحْتَبِسُ فِي الدِّمَاغِ ثُمَّ تَطْلُبُ لَهَا مَنْفَذًا فَتَخْرُجُ مِنْ الْخَيَاشِيمِ فَيَحْدُثُ الْعُطَاسُ، وَكَذَلِكَ الْجُشَاءُ رِيحٌ تَحْتَبِسُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَتَطْلُبُ الصُّعُودَ، بِخِلَافِ الرِّيحِ الَّتِي تَحْتَبِسُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ، وَمَنْ سَوَّى بَيْنَ الْجَشْوَةِ وَالضَّرْطَةِ فِي الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ فَهُوَ فَاسِدُ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ.

[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ]

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَأَسْقَطَهَا عَنْ آلَافٍ مِنْ الْخَيْلِ " فَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي هَذَا الْجِنْسِ دُونَ هَذَا كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ عَفَوْت عَنْ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ؛ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ.

وَقَالَ بَقِيَّةُ: حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ، وَالْكَسْعَةِ وَالنُّخَّةِ» قَالَ بَقِيَّةُ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، وَالْكَسْعَةُ: الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَالنُّخَّةُ: الْمُرَبَّيَاتُ فِي الْبُيُوتِ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: " لَا صَدَقَةَ فِي الْجَبْهَةِ وَالْكَسْعَةِ، وَالْكَسْعَةُ الْحَمِيرُ، وَالْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ ".

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ أَنَّ الْخَيْلَ تُرَادُ لِغَيْرِ مَا تُرَادُ لَهُ الْإِبِلُ؛ فَإِنَّ الْإِبِلَ تُرَادُ لَلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالْأَكْلِ وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَالْمَتَاجِرِ وَالِانْتِقَالِ عَلَيْهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَأَمَّا الْخَيْلُ فَإِنَّمَا خُلِقَتْ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالطَّلَبِ وَالْهَرَبِ، وَإِقَامَةِ الدِّينِ، وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ.

وَلِلشَّارِعِ قَصْدٌ أَكِيدٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>