وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يُقَلَّدُونَ فَلَا يُمْكِنُكُمْ الِاسْتِدْلَال بِمَا أَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا لَا يَقُولُ بِهِ؟ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَوْلُكُمْ: " إنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِعُمَرَ لَمَّا احْتَلَمَ: خُذْ ثَوْبًا غَيْرَ ثَوْبِك، فَقَالَ: لَوْ فَعَلْت صَارَتْ سُنَّةً " فَأَيْنَ فِي هَذَا مِنْ الْإِذْنِ مِنْ عُمَرَ فِي تَقْلِيدِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؟ وَغَايَةُ هَذَا أَنَّهُ تَرَكَهُ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، وَيَفْعَلَ ذَلِكَ، وَيَقُولَ: لَوْلَا أَنَّ هَذَا سُنَّةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فَعَلَهُ عُمَرُ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي خَشِيَهُ عُمَرُ، وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِعُلَمَائِهِمْ شَاءُوا أَمْ أَبَوْا، فَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ تَفْصِيلٌ.
[مَا اسْتَبَانَ فَاعْمَلْ بِهِ وَمَا اشْتَبَهَ فَكِلْهُ لِعَالِمِهِ]
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: قَوْلُكُمْ: " قَدْ قَالَ أُبَيٌّ: مَا اشْتَبَهَ عَلَيْك فَكِلْهُ إلَى عَالِمِهِ " فَهَذَا حَقٌّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ سِوَى الرَّسُولِ؛ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ بَعْدَ الرَّسُولِ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا جَاءَ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكِلَهُ إلَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ صَارَ عَالِمًا مِثْلُهُ، وَإِلَّا وَكَّلَهُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّفْ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ؛ فَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمًا؛ فَمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَقِّ فَوَكَلَهُ إلَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فَقَدْ أَصَابَ، فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَاِتِّخَاذِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِعْيَارًا عَلَى ذَلِكَ وَتَرْكِ النُّصُوصِ لِقَوْلِهِ وَعَرْضِهَا عَلَيْهِ وَقَبُولِ كُلِّ مَا أَفْتَى بِهِ وَرَدِّ كُلِّ مَا خَالَفَهُ؟ وَهَذَا الْأَثَرُ نَفْسُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْحُجَجِ عَلَى بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ، فَإِنَّ أَوَّلَهُ: " مَا اسْتَبَانَ لَك فَاعْمَلْ بِهِ، وَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْك فَكِلْهُ إلَى عَالِمِهِ " وَنَحْنُ نُنَاشِدْكُمْ اللَّهَ إذَا اسْتَبَانَتْ لَكُمْ السُّنَّةُ هَلْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ لَهَا وَتَعْمَلُونَ بِهَا وَتُفْتُونَ أَوْ تَقْضُونَ بِمُوجِبِهَا، أَمْ تَتْرُكُونَهَا وَتَعْدِلُونَ عَنْهَا إلَى قَوْلِهِ وَتَقُولُونَ: هُوَ أَعْلَمُ بِهَا مِنَّا؟ فَأَبِيَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِلتَّقْلِيدِ قَطْعًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ نَقُولُ: هَلْ وَكَلْتُمْ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَسَائِلِ إلَى عَالِمِهَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إذْ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا أَمْ تَرَكْتُمْ أَقْوَالَهُمْ وَعَدَلْتُمْ عَنْهَا؟ فَإِنْ كَانَ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ مِمَّنْ يُوَكَّلُ ذَلِكَ إلَيْهِ فَالصَّحَابَةُ أَحَقُّ أَنْ يُوَكَّلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ.
[فَصَلِّ فَتْوَى الصَّحَابَةِ وَالرَّسُولُ حَيٌّ]
[فَتْوَى الصَّحَابَةِ وَالرَّسُولُ حَيٌّ تَبْلِيغٌ عَنْهُ]
الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: قَوْلُكُمْ: " كَانَ الصَّحَابَةُ يُفْتُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَهَذَا تَقْلِيدٌ مِنْ الْمُسْتَفْتِينَ لَهُمْ " وَجَوَابُهُ أَنَّ فَتْوَاهُمْ إنَّمَا كَانَتْ تَبْلِيغًا عَنْ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute