للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِ الْآمِرِ لَهُ، وَالْجَوَابُ كَالْمَعَادِ فِي السُّؤَالِ؛ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَا فِيهِ، قَالَ: وَلَيْسَ كَابْتِدَاءِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ جَوَابًا بِالتَّقْيِيدِ، بَلْ خَرَجَ ابْتِدَاءً، هُوَ مُطْلَقٌ عَنْ الْقَيْدِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ غَدَاءٍ، قَالَ: وَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: كَلِّمْ لِي زَيْدًا الْيَوْمَ فِي كَذَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ، فَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا عَنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: ائْتِنِي الْيَوْمَ، فَقَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ أَتَاكَ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْمَلُ فِي اللَّفْظِ لِتَعْيِينِ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ؛ فَإِذَا تَعَيَّنَ بِاللَّفْظِ، وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مُحْتَمَلًا لِمَا نَوَى لَمْ تُؤَثِّرْ النِّيَّةُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا أَثَرَ لَهَا فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ؛ فَإِذَا احْتَمَلَهَا اللَّفْظُ فَعَيَّنَتْ بَعْضَ مُحْتَمَلَاتِهِ أَثَّرَتْ حِينَئِذٍ، قَالُوا: وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: " إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْتَ طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا أَوْ كَلَّمْت امْرَأَةً فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ " وَنَوَى ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ امْرَأَةً مُعَيِّنًا دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَقُبِلَتْ نِيَّتُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَوْ حَذَفَ الْمَفْعُولَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْفِعْلِ؛ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْخَصَّافِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي الْيَمِينِ تَخْصِيصًا وَتَعْمِيمًا، وَإِطْلَاقًا وَتَقْيِيدًا، وَالسَّبَبُ يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا، فَيُؤَثِّرُ مَا يُؤَثِّرُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْإِفْتَاءُ بِهِ، وَلَا يَحْمِلُ النَّاسُ عَلَى مَا يَقْطَعُ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوهُ بِأَيْمَانِهِمْ، فَكَيْفَ إذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُمْ أَرَادُوا خِلَافَهُ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[التَّعْلِيلُ كَالشَّرْطِ]

وَالتَّعْلِيلُ يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِ، فَإِذَا قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ لِأَجْلِ خُرُوجِك مِنْ الدَّارِ " فَبَانَ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لَمْ تَطْلُقْ قَطْعًا، صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: وَإِنْ قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ " بِنَصْبِ الْأَلِفِ وَالْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا دُخُولٌ قَبْلَ الْيَمِينِ بِحَالٍ، لَمْ تَطْلُقْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ: إنَّهُ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَقَالَ أَرَدْت الشَّرْطَ دُيِّنَ؛ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: " لِأَجْلِ كَلَامِك زَيْدًا، أَوْ خُرُوجِك مِنْ دَارِي بِغَيْرِ إذْنِي " فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ، ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَمَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ هَذَا فَقَدْ وَهِمَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ خُلْعُ الْيَمِينِ]

فَصْلٌ: [الْخُلْعُ]

الْمَخْرَجُ الْحَادِيَ عَشَرَ: خُلْعُ الْيَمِينِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ كَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِ كُلِّهِمْ فَإِذَا دَعَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>