للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مُكَلَّفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ؛ فَأَحْكَامُ التَّكْلِيفِ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَنْ تَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا وَمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ]

[مَنْ تَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا وَمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ] الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْفُتْيَا أَوْسَعُ مِنْ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ، فَيَجُوزُ فُتْيَا الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْأُمِّيِّ وَالْقَارِئِ، وَالْأَخْرَسِ بِكِتَابَتِهِ وَالنَّاطِقِ، وَالْعَدُوِّ وَالصَّدِيقِ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فُتْيَا الْعَدُوِّ وَلَا مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَالشَّهَادَةِ، وَالْوَجْهَانِ فِي الْفُتْيَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْحَاكِمِ أَشْهَرَ، وَأَمَّا فُتْيَا الْفَاسِقِ فَإِنْ أَفْتَى غَيْرَهُ لَمْ تُقْبَلْ فَتْوَاهُ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَسْتَفْتِيَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ غَيْرَهُ، وَفِي جَوَازِ اسْتِفْتَاءِ مَسْتُورِ الْحَالِ وَجْهَانِ، وَالصَّوَابُ جَوَازُ اسْتِفْتَائِهِ وَإِفْتَائِهِ.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْفَاسِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ دَاعِيًا إلَى بِدْعَتِهِ، فَحُكْمُ اسْتِفْتَائِهِ حُكْمُ إمَامَتِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ؛ فَالْوَاجِبُ شَيْءٌ وَالْوَاقِعُ شَيْءٌ وَالْفَقِيهُ مِنْ يُطَبِّقُ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَالْوَاجِبِ وَيُنَفِّذُ الْوَاجِبَ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ، لَا مَنْ يَلْقَى الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْوَاقِعِ، فَلِكُلِّ زَمَانٍ حُكْمٌ، وَالنَّاسُ بِزَمَانِهِمْ أَشْبَهُ مِنْهُمْ بِآبَائِهِمْ، وَإِذَا عَمَّ الْفُسُوقُ وَغَلَبَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَوْ مُنِعَتْ إمَامَةُ الْفُسَّاقِ وَشَهَادَاتُهُمْ وَأَحْكَامُهُمْ وَفَتَاوِيهِمْ وَوِلَايَاتُهُمْ لَعُطِّلَتْ الْأَحْكَامُ، وَفَسَدَ نِظَامُ الْخَلْقِ، وَبَطَلَتْ أَكْثَرُ الْحُقُوقِ، وَمَعَ هَذَا فَالْوَاجِبُ اعْتِبَارُ الْأَصْلَحِ فَالْأَصْلَحِ، وَهَذَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْغَلَبَةِ بِالْبَاطِلِ فَلَيْسَ إلَّا الِاصْطِبَارُ، وَالْقِيَامُ بِأَضْعَفِ مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ.

[هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ]

[هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ؟] الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: (لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ فِي جَوَازِ الْإِفْتَاءِ بِمَا تَجُوزُ الْفُتْيَا بِهِ) ، وَوُجُوبُهَا إذَا تَعَيَّنَتْ، وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى هَذَا فَإِنَّ مَنْصِبَ الْفُتْيَا دَاخِلٌ فِي ضِمْنِ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَاَلَّذِينَ لَا يُجَوِّزُونَ قَضَاءَ الْجَاهِلِ فَالْقَاضِي مُفْتٍ وَمُثَبِّتٌ وَمُنَفِّذٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، دُونَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، وَاحْتَجَّ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ فُتْيَاهُ تَصِيرُ كَالْحُكْمِ مِنْهُ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَقْتَ الْمُحَاكَمَةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَقْتَ الْحُكُومَةِ أَوْ تَظْهَرُ لَهُ قَرَائِنُ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى فُتْيَاهُ وَالْحُكْمِ بِمُوجِبِهَا حُكِمَ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>