للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هَلْ لِلْمُجْتَهِدِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ]

ِ؟] الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الِاجْتِهَادُ حَالَةٌ تَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ وَالِانْقِسَامَ، فَيَكُونُ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ مُقَلِّدًا فِي غَيْرِهِ، أَوْ فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، كَمَنْ اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي نَوْعِ الْعِلْمِ بِالْفَرَائِضِ وَأَدِلَّتِهَا وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ، أَوْ فِي بَابِ الْجِهَادِ أَوْ الْحَجِّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ الْفَتْوَى فِيمَا لَمْ يَجْتَهِدْ فِيهِ، وَلَا تَكُونُ مَعْرِفَتُهُ بِمَا اجْتَهَدَ فِيهِ مُسَوِّغَةً لَهُ الْإِفْتَاءَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي النَّوْعِ الَّذِي اجْتَهَدَ فِيهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا الْجَوَازُ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ.

وَالثَّانِي: الْمَنْعُ.

وَالثَّالِثُ: الْجَوَازُ فِي الْفَرَائِضِ دُونَ غَيْرِهَا.

فَحُجَّةُ الْجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْحَقَّ بِدَلِيلِهِ، وَقَدْ بَذَلَ جَهْدَهُ فِي مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ؛ فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ.

وَحُجَّةُ الْمَنْعِ تَعَلُّقُ أَبْوَابِ الشَّرْعِ وَأَحْكَامِهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، فَالْجَهْلُ بِبَعْضِهَا مَظِنَّةٌ لِلتَّقْصِيرِ فِي الْبَابِ وَالنَّوْعِ الَّذِي قَدْ عَرَفَهُ، وَلَا يَخْفَى الِارْتِبَاطُ بَيْنَ كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَكِتَابِ الْفَرَائِضِ، وَكَذَلِكَ الِارْتِبَاطُ بَيْنَ كِتَابِ الْجِهَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَكِتَابِ الْحُدُودِ وَالْأَقْضِيَةِ وَالْأَحْكَامِ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.

وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا رَأَى انْقِطَاعَ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ وَمَعْرِفَةِ الْفُرُوضِ وَمَعْرِفَةِ مُسْتَحَقِّهَا عَنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالرُّهُونِ وَالنِّضَالِ وَغَيْرِهَا، وَعَدَمِ تَعَلُّقَاتِهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ عَامَّةَ أَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ قَطْعِيَّةٌ، وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ فِي مَعْرِفَةِ مَسْأَلَةٍ أَوْ مَسْأَلَتَيْنِ، هَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِمَا؟ قِيلَ: نَعَمْ يَجُوزُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهَلْ هَذَا إلَّا مِنْ التَّبْلِيغِ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، وَجَزَى اللَّهُ مِنْ أَعَانَ الْإِسْلَامَ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ خَيْرًا، وَمَنْعُ هَذَا مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا عَلِمَ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[مَنْ تَصَدَّرَ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَثِمَ] الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: مَنْ أَفْتَى النَّاسَ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْفَتْوَى فَهُوَ آثِمٌ عَاصٍ، وَمَنْ أَقَرَّهُ مَنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ أَيْضًا.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَلْزَمُ وَلِيَّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ كَمَا فَعَلَ بَنُو أُمَيَّةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>