للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمِ، وَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ فِيمَا وَافَقَ رَأْيَ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَ رَأْيَهُ. وَلْنَذْكُرْ مِنْ هَذَا طَرَفًا فَإِنَّهُ مِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِمْ.

[طَرَفٌ مِنْ تَخَبُّطِ الْمُقَلِّدِينَ فِي الْأَخْذِ بِبَعْضِ السُّنَّةِ وَتَرْكِ بَعْضِهَا الْآخَرِ]

[طَرَفٌ مِنْ تَخَبُّطِ الْمُقَلِّدِينَ فِي الْأَخْذِ بِبَعْضِ السُّنَّةِ وَتَرْكِ بَعْضِهَا الْآخَرِ] : فَاحْتَجَّ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي سَلْبِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الرَّجُلِ» .

وَقَالُوا: الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ أَعْضَائِهِمَا هُوَ فَضْلُ وُضُوئِهِمَا. وَخَالَفُوا نَفْسَ الْحَدِيثِ؛ فَجَوَّزُوا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِفَضْلِ طَهُورِ الْآخَرِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ إذَا خَلَتْ بِالْمَاءِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ لِلْخَلْوَةِ أَثَرٌ، وَلَا لِكَوْنِ الْفَضْلَةِ فَضْلَةَ امْرَأَةٍ أَثَرٌ، فَخَالَفُوا نَفْسَ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِهِ؛ إذْ فَضْلُ الْوُضُوءِ بِيَقِينٍ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي فَضَلَ مِنْهُ، لَيْسَ هُوَ الْمَاءَ الْمُتَوَضَّأَ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لَهُ فَضْلُ الْوُضُوءِ، فَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَمْ يُرِدْ بِهِ، وَأَبْطَلُوا الِاحْتِجَاجَ بِهِ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ احْتِجَاجُهُمْ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ بِالْمُلَاقَاةِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ قَالُوا: لَوْ بَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَمْ يُنَجِّسْهُ حَتَّى يَنْقُصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ. وَاحْتَجُّوا عَلَى نَجَاسَتِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» ثُمَّ قَالُوا: لَوْ غَمَسَهَا قَبْلَ غَسْلِهَا لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهَا، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَغْمِسَهَا قَبْلَ الْغَسْلِ فَعَلَ.

وَاحْتَجُّوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِحَفْرِ الْأَرْضِ الَّتِي بَالَ فِيهَا الْبَائِلُ وَإِخْرَاجِ تُرَابِهَا، ثُمَّ قَالُوا: لَا يَجِبُ حَفْرُهَا، بَلْ لَوْ تُرِكَتْ حَتَّى يَبِسَتْ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ طَهُرَتْ. وَاحْتَجُّوا عَلَى مَنْعِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ» يَعْنِي الزَّكَاةَ.

ثُمَّ قَالُوا: لَا تَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ السَّمَكَ الطَّافِيَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ مَيْتَةِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ثُمَّ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ بِعَيْنِهِ وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ مَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ مِنْ السَّمَكِ، وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا فِيهِ أَصْلًا غَيْرُ السَّمَكِ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ الرَّأْيِ عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَوُلُوغِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>