للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إلَّا بِالْمَقَايِيسِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي اعْتَرَفَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ بِبُطْلَانِهِ حَيْثُ قَالُوا: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: ٩٧] {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٨] وَذَمَّ اللَّهُ أَهْلَهُ بِقَوْلِهِ: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: ١] أَيْ يَقِيسُونَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَيُسَوُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ وَمَقَالَةٍ فَاسِدَةٍ فِي أَدْيَانِ الرُّسُلِ فَأَصْلُهَا مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، فَمَا أَنْكَرَتْ الْجَهْمِيَّةُ صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالَهُ وَعُلُوَّهُ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ وَكَلَامَهُ وَتَكْلِيمَهُ لِعِبَادِهِ وَرُؤْيَتَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ إلَّا مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، وَمَا أَنْكَرَتْ الْقَدَرِيَّةُ عُمُومَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَجَعَلَتْ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ وَأَنَّهُ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، وَمَا ضَلَّتْ الرَّافِضَةُ وَعَادُوا خِيَارَ الْخَلْقِ وَكَفَّرُوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَبُّوهُمْ إلَّا بِالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، وَمَا أَنْكَرَتْ الزَّنَادِقَةُ وَالدَّهْرِيَّةُ مُعَادَ الْأَجْسَامِ وَانْشِقَاقَ السَّمَاوَاتِ وَطِّي الدُّنْيَا وَقَالَتْ بِقِدَمِ الْعَالَمِ إلَّا بِالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، وَمَا فَسَدَ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِ الْعَالَمِ وَخَرَبَ مَا خَرَبَ مِنْهُ إلَّا بِالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ، وَهُوَ الَّذِي جَرَّ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْقِيَاسِ مَا جَرَّ، فَأَصْلُ شَرِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ جَمِيعُهُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ لَا يَدْرِيهَا إلَّا مَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْوَاقِعِ وَلَهُ فِقْهٌ فِي الشَّرْعِ وَالْقَدْرِ.

[فَصَلِّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ فِي الْقِيَاس]

فَصْلٌ.

[مَنْعُ أَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ مِنْ وَجْهَيْنِ] :

وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ - وَهِيَ أَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ - فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا.

أَحَدُهُمَا: مَنْعُ صِحَّةِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ؛ إذْ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ، لَا بِلَفْظٍ عَامٍّ وَلَا بِمَعْنَى عَامٍّ، وَإِنَّمَا فِي السُّنَّةِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَعْدُومَةٌ كَمَا فِيهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ؛ فَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ فِي الْمَنْعِ لَا الْعَدَمِ وَلَا الْوُجُودِ، بَلْ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهُوَ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا؛ إذْ مُوجَبُ الْبَيْعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ، فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ عَاجِزًا عَنْ تَسْلِمِيهِ فَهُوَ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ وَقِمَارٌ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا بِوَكْسٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْمُشْتَرِيَ تَسَلُّمُهُ كَانَ قَدْ قَمَرَ الْبَائِعَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ قَمَرَهُ الْبَائِعُ، وَهَكَذَا الْمَعْدُومُ الَّذِي هُوَ غَرَرٌ نُهِيَ عَنْهُ لِلْغَرَرِ لَا لِلْعَدَمِ، كَمَا إذَا بَاعَهُ مَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَةُ أَوْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؛ فَالْبَيْعُ لَا يُعْرَفُ وُجُودُهُ وَلَا قَدْرُهُ وَلَا صِفَتُهُ؛ وَهَذَا مِنْ الْمَيْسِرِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَنَظِيرُ هَذَا فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يُكْرِيَهُ دَابَّةً لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>