للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى يَمِينِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِاسْتِقْبَالِ الصَّلَاةِ» .

وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الرَّدِّ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فِي حَالٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَوْ كَبَّرَ أَحَدُهُمْ وَحْدَهُ ثُمَّ كَبَّرَ الْآخَرُ بَعْدَهُ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ وَلَمْ يَكُنْ السَّابِقُ فَذًّا، وَإِنْ أَحْرَمَ وَحْدَهُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمُصَافَّةِ فِيمَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ وَهُوَ الرُّكُوعُ، وَأَفْسَدُ مِنْ هَذَا الرَّدِّ رَدُّ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَقِفُ فَذًّا، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَلُّ وَأَعْظَمُ فِي صُدُورِ أَهْلِهَا إنْ تَعَارَضَ بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ، وَأَقْبَحُ مِنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ مُعَارَضَتُهَا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقِفُ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهَا؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَوْقِفُهَا الْمَشْرُوعُ بَلْ الْوَاجِبُ، كَمَا أَنَّ مَوْقِفَ الْإِمَامِ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ أَمَامَ الصَّفِّ.

أَمَّا مَوْقِفُ الْفَذِّ خَلْفَ الصَّفِّ فَلَمْ يُشَرِّعْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْبَتَّةَ، بَلْ شَرَّعَ الْأَمْرَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِمَنْ وَقَفَ فِيهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَبْ أَنَّ هَذِهِ الْمُعَارَضَاتِ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَمَا تَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ حِينَ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى رَاكِعًا حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّفِّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ وَقَعَتْ مِنْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ فَذًّا؟

قِيلَ: نَقْبَلُهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ، وَنُمْسِكُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَعُدْ " فَلَوْ فَعَلَ أَحَدٌ ذَلِكَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالنَّهْيِ لَقُلْنَا لَهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّهْيِ فَإِمَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ فِي الصَّفِّ أَوَّلًا، فَإِنْ جَامَعَهُ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ فِي الصَّفِّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَهُوَ غَيْرُ فَذٍّ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهَا قَائِمًا، وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ.

فَقَدْ قِيلَ: تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَيَكُونُ فَذًّا فِيهَا وَالطَّائِفَتَانِ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ قَضِيَّةُ عَيْنٍ: يَحْتَمِلُ دُخُولُهُ فِي الصَّفِّ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ.

وَحِكَايَةُ الْفِعْلِ لَا عُمُومَ لَهَا؛ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَا عَلَى الصُّورَتَيْنِ، فَهِيَ إذًا مُجْمَلَةٌ مُتَشَابِهَةٌ، فَلَا يُتْرَكُ لَهَا النَّصُّ الْمُحْكَمُ الصَّرِيحُ، فَهَذَا مُقْتَضَى الْأُصُولِ نَصًّا وَقِيَاسًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا]

[الْأَذَانُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا]

الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي جَوَازِ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سُحُورِهِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ يُنَادِي - بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيَنْتَبِهَ نَائِمُكُمْ» قَالَ مَالِكٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>