كَانَ أَوْ عِرَاقِيًّا أَوْ شَامِيًّا أَوْ مِصْرِيًّا أَوْ يَمَنِيًّا، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ التَّقَيُّدُ بِقِرَاءَةِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورِينَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ إذَا وَافَقَتْ الْقِرَاءَةُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَصَحَّتْ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَصَحَّ سَنَدُهَا جَازَتْ الْقِرَاءَةُ بِهَا وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهَا اتِّفَاقًا، بَلْ لَوْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، وَقَدْ قَرَأَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ جَازَتْ الْقِرَاءَةُ بِهَا وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِهَا عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، وَالثَّانِي تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهَا، وَهَاتَانِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالثَّالِثُ: إنْ قَرَأَ بِهَا فِي رُكْنٍ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا لِفَرْضِهِ، وَإِنْ قَرَأَ بِهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ تَكُنْ مُبْطِلَةً، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ تَيْمِيَّةَ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِتْيَانُ بِالرُّكْنِ فِي الْأَوَّلِ وَلَا الْإِتْيَانُ بِالْمُبْطِلِ فِي الثَّانِي، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ وَأَخْذَ غَرَضِهِ مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ وَجَدَهُ فِيهِ، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْحَقِّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
[مَا الْحُكْمِ إذَا اخْتَلَفَ مُفْتِيَانِ]
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ: فَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ مُفْتِيَانِ فَأَكْثَرُ، فَهَلْ يَأْخُذُ بِأَغْلَظِ الْأَقْوَالِ، أَوْ بِأَخَفِّهَا، أَوْ يَتَخَيَّرُ، أَوْ يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ أَوْ الْأَوْرَعِ، أَوْ يَعْدِلُ إلَى مُفْتٍ آخَرَ، فَيَنْظُرُ مَنْ يُوَافِقُ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ فَيَعْمَلُ بِالْفَتْوَى الَّتِي يُوَقِّعُ عَلَيْهَا، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَبْحَثَ عَنْ الرَّاجِحِ بِحَسَبِهِ؟ فِيهِ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ، أَرْجَحُهَا السَّابِعُ؛ فَيَعْمَلُ كَمَا يَعْمَلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطَّبِيبَيْنِ أَوْ الْمُشِيرَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي]
[هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي؟] الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ: إذَا اسْتَفْتَى فَأَفْتَاهُ الْمُفْتِي، فَهَلْ تَصِيرُ فَتْوَاهُ مُوجِبَةً عَلَى الْمُسْتَفْتِي الْعَمَلَ بِهَا بِحَيْثُ يَكُونُ عَاصِيًا إنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَوْ لَا يُوجَبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهَا إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَهُ هُوَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ التَّرْكُ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِحَّةُ فَتْوَاهُ وَأَنَّهَا حَقٌّ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهَا، وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِفُتْيَاهُ؛ فَإِنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ وَتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَاعَ، وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَطَاعُ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَ مُفْتِيًا آخَرَ فَإِنْ وَافَقَ الْأَوَّلَ فَأَبْلَغُ فِي لُزُومِ الْعَمَلِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فَإِنْ اسْتَبَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ لَهُ الصَّوَابُ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ، أَوْ يَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ، أَوْ يَتَخَيَّرُ، أَوْ يَأْخُذُ بِالْأَسْهَلِ؛ فِيهِ وُجُوهٌ تَقَدَّمَتْ.
[الْعَمَلُ بِخَطِّ الْمُفْتِي وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ]
[الْعَمَلُ بِخَطِّ الْمُفْتِي وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ] الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ: يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِخَطِّ الْمُفْتِي وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْفَتْوَى مِنْ لَفْظِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute