للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: الضَّامِنُ فَرْعٌ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَنْبَنِي الضَّمَانُ وَيَتَفَرَّعُ؟ قِيلَ: إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا إذَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَإِلَّا فِي الْحَالِ فَلَيْسَ هُوَ ضَامِنًا. وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: " هُوَ ضَامِنٌ بِالْقُوَّةِ " فَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ الْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ مِمَّا سَبَقَ بِهِ اللِّسَانُ]

[حِيلَةٌ فِي الْخَلَاصِ مِمَّا سَبَقَ بِهِ اللِّسَانُ]

الْمِثَالُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: إذَا سَبَقَ لِسَانُهُ بِمَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يُرِدْ مَعْنَاهُ، أَوْ أَرَادَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَتَابَ مِنْهُ، أَوْ خَافَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ شُهُودُ زُورٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، فَرُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ وَادُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ شَهِدُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَا يَرَى قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ، فَالْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ أَنْ لَا يُقِرَّ بِهِ وَلَا يُنْكِرَ، فَيَشْهَدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ، بَلْ يَكْفِيه فِي الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ: " إنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ رَجَعْت عَنْهُ، وَأَنَا تَائِبٌ إلَى اللَّهِ مِنْهُ " وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَكْتَفِي مِنْك بِهَذَا الْجَوَابِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّ هَذَا جَوَابٌ كَافٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَتَكْلِيفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ خُطَّةَ الْخَسْفِ بِالْإِقْرَارِ - وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فِيهِ، أَوْ الْإِنْكَارِ وَقَدْ تَابَ مِنْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ - ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ؛ فَلَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُ بَعْدَ هَذَا هَلْ وَقَعَ مِنْك ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقَعْ؟ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ فَقَالَ: " لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ لَا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مُنْذُ عَقَلْت وَإِلَى الْآنَ " لَمْ يُسْتَكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ، وَلَمْ يُسْأَلْ لَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ عَنْ سَبَبِ رِدَّتِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: " إنْ كُنْت قُلْته فَأَنَا تَائِبٌ إلَى اللَّهِ مِنْهُ " أَوْ " قَدْ تُبْت مِنْهُ " فَقَدْ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَلَمْ يُكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

[هَلْ تُعَلَّقُ التَّوْبَةُ بِالشَّرْطِ؟]

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلتَّوْبَةِ أَوْ الْإِسْلَامِ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ.

قِيلَ: هَذَا مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ مُورِدِهِ؛ فَإِنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، تَلَفَّظَ بِهِ أَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، وَكَذَلِكَ تَجْدِيدُ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ مَا يُنَاقِضُهُ فَتَلَفُّظُهُ بِالشَّرْطِ تَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِ التَّوْبَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَهَذَا كَمَا إذَا قَالَ: " إنْ كَانَ هَذَا مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُك إيَّاهُ " فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّ هَذَا بَيْعٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ؟ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: " إنْ كَانَتْ هَذِهِ امْرَأَتِي فَهِيَ طَالِقٌ " لَا يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ، وَنَظَائِرُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>