للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ بُلِيتَ بِالْقَائِلِ هَكَذَا فِي الْكِتَابِ، وَهَكَذَا قَالُوا؛ فَالْحِيلَةُ فِي الْجَوَازِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ قَرْضًا فِي ذِمَّتِهِ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِلدَّافِعِ مِثْلُهُ، ثُمَّ يُعَاوِضُهُ عَلَيْهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ؛ فَإِنَّهُ بَيْعٌ لِلدَّيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ وَهُوَ جَائِزٌ.

وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ آفَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَرْتَفِعُ السِّعْرُ فَيُطَالِبُهُ بِالْمِثْلِ فَيَتَضَرَّرُ الْآخِذُ، وَقَدْ يَنْخَفِضُ فَيُعْطِيهِ الْمِثْلَ فَيَتَضَرَّرُ الْأَوَّلُ؛ فَالطَّرِيقُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي لَمْ يُحَرِّمْهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْلَى بِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ تَوْكِيلُ الدَّائِنِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ]

[تَوْكِيلُ الدَّائِنِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ]

الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ وَقْفٌ مِنْ غَلَّةِ دَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ، فَوَكَّلَ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْ دَيْنِهِ جَازَ؛ فَإِنْ خَافَ أَنْ يَحْتَالَ عَلَيْهِ وَيَعْزِلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ؛ فَلْيَجْعَلْهَا حَوَالَةً عَلَى مَنْ فِي ذِمَّتِهِ عِوَضَ ذَلِكَ الْمُغَلِّ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ آجَرَ الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ لِأَحَدٍ؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مِنْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِعِوَضٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يُعَاوِضَهُ بِدَيْنِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعِوَضِ؛ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَكِيلَهُ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ لَا بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ، وَلَا بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ، بَلْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ فِي قَبْضِ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ، وَخَافَ عَزْلَهُ؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْخُذَ إقْرَارَهُ أَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَصْرِفَ إلَيْهِ بَعْدَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُ وَجَبَ لِفُلَانٍ - وَهُوَ الْغَرِيمُ - عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مُغِلِّ هَذَا الْوَقْفِ مُقَدَّمًا بِهِ عَلَى سَائِرِ مَصَارِفِ الْوَقْفِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمَوْقُوفِ شَيْءٌ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَأَنَّ وِلَايَةَ أَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ إلَى فُلَانٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ؛ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِذَلِكَ كَانَ أَوْفَقَ.

[الْمِثَالُ السَّبْعُونَ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ]

[تَعْلِيقُ الْإِبْرَاء بِالشَّرْطِ]

الْمِثَالُ السَّبْعُونَ: إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ: " إنْ مِتَّ قَبْلِي فَأَنْت فِي حِلٍّ، وَإِنْ مِتَّ قَبْلَك فَأَنْت فِي حِلٍّ " صَحَّ وَبَرِئَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا وَصِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْإِحْلَالِ مِنْ الْعَرْضِ، وَالْمَالُ مِثْلُهُ.

وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إذَا قَالَ: " إنْ مِتَّ قَبْلَك فَأَنْتَ فِي حِلٍّ " هُوَ إبْرَاءٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَإِنْ قَالَ: " إنْ مِتَّ قَبْلِي فَأَنْتَ فِي حِلٍّ " لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُقِيمُوا شُبْهَةً فَضْلًا عَنْ دَلِيلٍ صَحِيحٍ عَلَى امْتِنَاعِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَدْفَعُهُ نَصٌّ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ؛ فَالصَّوَابُ صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حِيلَةٍ؛ فَإِنْ بُلِيَ بِمَنْ يَقُولُ هَكَذَا فِي الْكِتَابِ وَهَكَذَا قَالُوا؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُشْهِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>