للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمُ بِحَقِّ اللَّهِ بِإِتْلَافٍ مُبَاشِرٍ أَوْ بِالسِّرَايَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا وَجَبَ بِتَزْكِيَتِهِمْ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَثَبَّتْ، بَلْ فَرَّطَ فِي الْمُبَادَرَةِ إلَى الْحُكْمِ وَتَرَكَ الْبَحْثَ وَالسُّؤَالَ، وَالثَّالِثُ: أَنْ لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينَ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْجَئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ، فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ فَعَلَى الْحَاكِمِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بِفِسْقِهِمْ، فَعَلَى هَذَا لَا ضَمَانَ.

وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَفْتَى الْإِمَامُ أَوْ الْوَالِي مُفْتِيًا فَأَفْتَاهُ ثُمَّ بَانَ لَهُ خَطَؤُهُ فَحُكْمُ الْمُفْتِي مَعَ الْإِمَامِ حُكْمُ الْمُزَكِّينَ مَعَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ عَمِلَ الْمُسْتَفْتِي بِفَتْوَاهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ وَلَا إمَامٍ فَأَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا: فَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَهْلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَفْتِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا عُرِفَ مِنْهُ طِبٌّ وَأَخْطَأَ لَمْ يَضْمَنْ، وَالْمُفْتِي أَوْلَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ مِنْ الْحَاكِمِ وَالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَبُولِ فَتْوَاهُ وَرَدِّهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا يَلْزَمُ، بِخِلَافِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا خَطَأُ الشَّاهِدِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا شُهُودًا بِمَالٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ، فَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ وَقَبْلَ اسْتِيفَائِهِ لَمْ يُسْتَوْفَ قَطْعًا، وَإِنْ بَانَ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ، وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْمَالِ لَغَتْ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يَضْمَنُوا، وَإِنْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ نَقْضُ حُكْمِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِمَوْتِ رَجُلٍ بِاسْتِفَاضَةٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِقَسْمِ مِيرَاثِهِ ثُمَّ بَانَتْ حَيَاتُهُ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُهُ، وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُمْ فِي شَهَادَةِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِمْ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ طَلَّقَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَظَهَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ مَحْبُوسًا لَا يَصِلُ إلَيْهِ أَحَدٌ أَوْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَا لَوْ بَانَ كُفْرُهُمْ أَوْ فِسْقُهُمْ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى الزَّوْجِ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا: " رَجَعْنَا عَنْ الشَّهَادَةِ " فَإِنَّ رُجُوعَهُمْ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ضَمِنُوا نِصْفَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُمْ قَرَّرُوهُ عَلَيْهِ، وَلَا تَعُودُ إلَيْهِ الزَّوْجَةُ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ حَكَمَ بِالْفُرْقَةِ، وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا: أَنَّهُمْ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالدُّخُولِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عِوَضُهَا، وَالثَّانِيَةُ: يَغْرَمُونَ الْمُسَمَّى كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا عَلَيْهِ الْبُضْعَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَأَصْلُهُمَا أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ يَدِ الزَّوْجِ هَلْ هُوَ مُتَقَوِّمٌ أَوْ لَا؟ وَأَمَّا شُهُودُ الْعِتْقِ فَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُمْ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا عِتْقَ، وَإِنْ قَالُوا: رَجَعْنَا غَرِمُوا لِلسَّيِّدِ قِيمَةَ الْعَبْدِ.

[أَحْوَالٌ لَيْسَ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا]

[أَحْوَالٌ لَيْسَ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا] الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: (لَيْسَ لِلْمُفْتِي الْفَتْوَى فِي حَالِ غَضَبٍ شَدِيدٍ أَوْ جُوعٍ مُفْرِطٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>