للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] فَأَمَرَ بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ الْإِرْضَاعِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَقْدًا وَلَا إذْنَ الْأَبِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] فَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَقْدًا وَلَا إذْنًا، وَنَفَقَةُ الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِهِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُرْتَهِنُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَإِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى رَبِّهِ كَانَ أَحَقَّ بِالرُّجُوعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ، فَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ: أَنَا لَمْ آذَنْ لَكَ فِي النَّفَقَةِ، قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْكَ، وَأَنَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أُطَالِبَكَ بِهَا لِحِفْظِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرُ، فَإِذَا رَضِيَ الْمُنْفِقُ بِأَنْ يَعْتَاضَ بِمَنْفَعَةِ الرَّهْنِ وَكَانَتْ نَظِيرَ النَّفَقَةِ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ إلَى صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مَحْضٌ، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ النَّصُّ لَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ، وَطَرْدُ هَذَا الْقِيَاسِ، أَنَّ الْمُودَعَ وَالشَّرِيكَ وَالْوَكِيلَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْحَيَوَانِ وَاعْتَاضَ عَنْ النَّفَقَةِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ جَازَ ذَلِكَ كَالْمُرْتَهِنِ

[فَصَلِّ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ]

فَصْلٌ [الْحُكْمُ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ]

وَمِمَّا قِيلَ: " إنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ الْأَحَادِيثِ عَنْ الْقِيَاسِ " حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ وَمِثْلُهَا مِنْ مَالِهِ لِسَيِّدَتِهَا» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ، وَلَكِنْ لِإِشْكَالِهِ أَقْدَمُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ مَعَ لِينٍ فِي سَنَدِهِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ ثَلَاثَةِ أُصُولٍ صَحِيحَةٍ كُلٌّ مِنْهَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ. [مَنْ أَتْلَفَ مَالِ غَيْرِهِ ضَمِنَهُ]

أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ غَيَّرَ مَالَ غَيْرِهِ بِحَيْثُ فَوَّتَ مَقْصُودَهُ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ بِمَا أَزَالَ اسْمَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: أَحَدُهَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ.

وَالثَّانِي: يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ، وَيَضْمَنُهُ لِصَاحِبِهِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَالثَّالِثُ: يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَضْمِينِ النَّقْصِ وَبَيْنَ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا؛ فَإِنْ فَوَّتَ صِفَاتِهِ الْمَعْنَوِيَّةَ - مِثْلَ أَنْ يُنْسِيَهُ صِنَاعَتَهُ، أَوْ يُضْعِفَ قُوَّتَهُ، أَوْ يُفْسِدَ عَقْلَهُ أَوْ دِينَهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>