وَأَفْتَى بِأَنَّ مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ لَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ؛ فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءَ.
«وَسُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ جَلَسَ لِحَاجَتِهِ فَأَخْرَجَ جُرَذُ مِنْ جُحْرٍ دِينَارًا، ثُمَّ أَخْرَجَ آخَرَ، ثُمَّ أَخْرَجَ آخَرَ، حَتَّى أَخْرَجَ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، ثُمَّ أَخْرَجَ طَرَفَ خِرْقَةٍ حَمْرَاءَ، فَأَتَى بِهَا السَّائِلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا، وَقَالَ: خُذْ صَدَقَتَهَا، قَالَ ارْجِعْ بِهَا، لَا صَدَقَةَ فِيهَا، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكَ أَهْوَيْتَ بِيَدِكَ فِي الْجُحْرِ قُلْتُ: لَا، وَاَلَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ، فَلَمْ يُفْنِ آخِرَهَا حَتَّى مَاتَ» .
وَقَوْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " لَعَلَّكَ أَهْوَيْتَ بِيَدِكَ فِي الْجُحْرِ " إذْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكَانَ [ذَلِكَ] فِي حُكْمِ الرِّكَازِ، وَإِنَّمَا سَاقَ اللَّهُ هَذَا الْمَالَ إلَيْهِ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ، أَخْرَجَتْهُ لَهُ الْأَرْضُ، بِمَنْزِلَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ، وَلِهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَمْ يَجْعَلْهُ لُقَطَةً؛ إذْ لَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ دَفْنِ الْكُفَّارِ.
[فَصْلٌ الْهَدِيَّةُ وَمَا فِي حُكْمِهَا]
فَصْلٌ:
[الْهَدِيَّةُ وَمَا فِي حُكْمِهَا]
«وَأَهْدَى لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيَاضُ بْنُ حَمَّادٍ إبِلًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ إنَّا لَا نَقْبَلُ زَبْدَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: قُلْتُ وَمَا زَبْدُ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: رِفْدُهُمْ وَهَدِيَّتُهُمْ» ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَبُولَهُ هَدِيَّةَ أُكَيْدِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَقَبِلَ هَدِيَّتَهُمْ وَلَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّةَ الْمُشْرِكِينَ.
«وَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، فَقَالَ: رَجُلٌ أَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ إنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» .
وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» فِي قِصَّةِ الرُّقْيَةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ جَعَالَةٌ عَلَى الطِّبِّ؛ فَطَبَّهُ بِالْقُرْآنِ، فَأَخَذَ الْأُجْرَةَ عَلَى الطِّبِّ، لَا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَهَهُنَا مَنَعَهُ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: ٩٠] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: ٤٧] وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: ٢١] فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَبْلِيغِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ.
«وَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو النُّعْمَانِ بْنُ بَشِيرٍ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى غُلَامٍ نَحَلَهُ لِابْنِهِ، فَلَمْ يَشْهَدْ، وَقَالَ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute