وَكِسْوَتِهَا، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ الْبَهَائِمِ بِعَلْفِهَا، وَالْمَاشِيَةِ إذَا عَاوَضَ عَلَى لَبَنِهَا، فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِيَ اللَّبَنَ مُدَّةً، وَيَكُونَ الْعَلْفُ وَالْخِدْمَةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَهَذَا بَيْعٌ مَحْضٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُسَلِّمَهَا وَيَكُونَ عَلْفُهَا وَخِدْمَتُهَا عَلَيْهِ، وَلَبَنُهَا لَهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ؛ فَهَذَا إجَارَةٌ وَهُوَ كَضَمَانِ الْبُسْتَانِ سَوَاءٌ وَكَالظِّئْرِ؛ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ؛ فَهُوَ كَاسْتِئْجَارِ الْعَيْنِ لِيَسْقِيَ بِهَا أَرْضَهُ، وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الْحَيَوَانِ مُدَّةً لِلَبَنِهِ، ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ تَبَعًا لِنَصِّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا ضَيَّقُوا بِهَا مَوْرِدَ النَّصِّ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا نَصُّهُ، وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ، وَهُوَ مُوجَبُ الْقِيَاسِ الْمَحْضِ؛ فَالْمُجَوِّزُونَ أَسْعَدُ بِالنَّصِّ مِنْ الْمَانِعِينَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
[فَصَلِّ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ عَنْ الْجَانِي طِبْقَ الْقِيَاسِ]
فَصْلٌ:
[حَمْلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ عَنْ الْجَانِي طِبْقَ الْقِيَاسِ]
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْقَائِلِ " حَمْلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ عَنْ الْجَانِي عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " وَلِهَذَا لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ وَلَا الْعَبْدَ وَلَا الصُّلْحَ وَلَا الِاعْتِرَافَ وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَلَا تَحْمِلُ جِنَايَةَ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لَحَمَلَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ.
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ مَضْمُونًا كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] ، وَلَا تُؤْخَذُ نَفْسٌ بِجَرِيرَةِ غَيْرِهَا؛ وَبِهَذَا جَاءَ شَرْعُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَجَزَاؤُهُ، وَحَمْلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ غَيْرُ مُنَاقِضٍ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ فِي الْعَقْلِ: هَلْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ ابْتِدَاءً أَوْ تَحَمُّلًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا تَنَازَعُوا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الَّتِي يَجِبُ أَدَاؤُهَا عَنْ الْغَيْرِ كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، هَلْ تَجِبُ ابْتِدَاءً أَوْ تَحَمُّلًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَنِي مَا لَوْ أَخْرَجَهَا مَنْ تَحَمَّلَتْ عَنْهُ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَحَمِّلِ لَهَا؛ فَمَنْ قَالَ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَيْرِ تَحَمُّلًا قَالَ: يُجْزِئُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمَنْ قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً قَالَ: لَا تُجْزِئُ، بَلْ هِيَ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْ الْغَيْرِ، وَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الْقَاتِلِ أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَالْعَقْلُ فَارَقَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُقُوقِ فِي أَسْبَابٍ اقْتَضَتْ اخْتِصَاصَهُ بِالْحُكْمِ، وَذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ مَالٌ كَثِيرٌ، وَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا تَحْمِلُ الْخَطَأَ، وَلَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا شُبْهَةَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْخَطَأُ يُعْذَرُ فِيهِ الْإِنْسَانُ، فَإِيجَابُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ تَعَمَّدَهُ، وَإِهْدَارُ دَمِ الْمَقْتُولِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ بِالْكُلِّيَّةِ فِيهِ إضْرَارٌ بِأَوْلَادِهِ وَوَرَثَتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابِ بَدَلِهِ؛ فَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَقِيَامِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute