للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرِيعَةِ وَضِيَاؤُهَا، وَبَاشَرَ قَلْبُهُ بَشَاشَةَ حِكَمِهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبَدَانِ، وَتَلَقَّاهَا صَافِيَةً مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَأَحْكَمَ الْعَقْدَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي لَمْ يَطْمِسْ نُورَ حَقَائِقِهَا ظُلْمَةُ التَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ.

[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي حُكْمِ التَّطْهِيرِ]

فَصْلٌ:

[الْحِكْمَةُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي حُكْمِ التَّطْهِيرِ]

وَأَمَّا جَمْعُهَا بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي التَّطْهِيرِ فَاَللَّهِ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ جَمْعٍ، وَأَلْطَفَهُ وَأَلْصَقَهُ بِالْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ؛ وَقَدْ عَقَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْإِخَاءَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ قَدَرًا وَشَرْعًا؛ فَجَمَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَخَلَقَ مِنْهُمَا آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ، فَكَانَا أَبَوَيْنِ اثْنَيْنِ لِأَبَوَيْنَا وَأَوْلَادِهِمَا؛ وَجَعَلَ مِنْهُمَا حَيَاةَ كُلِّ حَيَوَانٍ، وَأَخْرَجَ مِنْهُمَا أَقْوَاتَ الدَّوَابِّ وَالنَّاسِ وَالْأَنْعَامِ، وَكَانَا أَعَمَّ الْأَشْيَاءِ وُجُودًا، وَأَسْهَلَهَا تَنَاوُلًا، وَكَانَ تَعْفِيرُ الْوَجْهِ فِي التُّرَابِ لِلَّهِ مِنْ أَحَبِّ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ عَقْدُ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمَا قَدَرًا أَحْكَمَ عَقْدٍ وَأَقْوَاهُ كَانَ عَقْدُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمَا شَرْعًا أَحْسَنَ عَقْدٍ وَأَصَحَّهُ، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الجاثية: ٣٦] {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية: ٣٧] .

[ذَمُّ الْغَضَبِ وَتَنْفِيذِ الْحَقِّ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ]

فَصْلٌ

فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " وَاعْرِفْ الْأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ " وَفِي لَفْظِ: " وَاعْرِفْ الْأَمْثَالَ، ثُمَّ اعْمَدْ فِيمَا تَرَى إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ ". فَلْنَرْجِعْ إلَى شَرْحِ بَاقِي كِتَابِهِ. ثُمَّ قَالَ: " وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ، وَالتَّنَكُّرِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ، أَوْ الْخُصُومِ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ مِمَّا يُوجِبُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهِ الذُّخْرَ ".

هَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ أَمْرَيْنِ: [ذَمُّ الْغَضَبِ] . أَحَدُهُمَا: التَّحْذِيرُ مِمَّا يَحُولُ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ كَمَالِ مَعْرِفَتِهِ بِالْحَقِّ، وَتَجْرِيدِ قَصْدِهِ لَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خَيْرَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ، وَالْغَضَبُ وَالْقَلَقُ وَالضَّجَرُ مُضَادٌّ لَهُمَا؛ فَإِنَّ الْغَضَبَ غَوْلُ الْعَقْلِ يَغْتَالُهُ كَمَا تَغْتَالُهُ الْخَمْرُ، وَلِهَذَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» وَالْغَضَبُ نَوْعٌ مِنْ الْغَلْقِ وَالْإِغْلَاقِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>