للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى: أَيْ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ الدُّرْجِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ السُّطُورِ الْمَكْتُوبَةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ فَقَالَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: ١٠٤]

[فَصْلٌ قِيَاسُ الشَّبَهِ]

ِ وَأَمْثِلَةٌ لَهُ]

وَأَمَّا قِيَاسُ الشَّبَهِ فَلَمْ يَحْكِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إلَّا عَنْ الْمُبْطِلِينَ؛ فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمَّا وَجَدُوا الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِمْ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ٧٧] فَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِعِلَّةٍ وَلَا دَلِيلِهَا، وَإِنَّمَا أَلْحَقُوا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ جَامِعٍ سِوَى مُجَرَّدِ الشَّبَهِ الْجَامِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يُوسُفَ، فَقَالُوا: هَذَا مَقِيسٌ عَلَى أَخِيهِ، بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ، وَذَاكَ قَدْ سَرَقَ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ بِالشَّبَهِ الْفَارِغِ، وَالْقِيَاسِ بِالصُّورَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّسَاوِي، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَالتَّسَاوِي فِي قَرَابَةِ الْأُخُوَّةِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلتَّسَاوِي فِي السَّرِقَةِ لَوْ كَانَتْ حَقًّا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّسَاوِي فِيهَا؛ فَيَكُونُ الْجَمْعُ لِنَوْعِ شَبَهٍ خَالٍ عَنْ الْعِلَّةِ وَدَلِيلِهَا.

وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا: {مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا} [هود: ٢٧] فَاعْتُبِرُوا صُورَةَ مُجَرَّدِ الْآدَمِيَّةِ وَشَبَهَ الْمُجَانَسَةِ فِيهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الشَّبَهَيْنِ حُكْمُ الْآخَرِ؛ فَكَمَا لَا نَكُونُ نَحْنُ رُسُلًا فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ، فَإِذَا تَسَاوَيْنَا فِي هَذَا الشَّبَهِ فَأَنْتُمْ مِثْلُنَا لَا مَزِيَّةَ لَكُمْ عَلَيْنَا، وَهَذَا مِنْ أبطل الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ وَجَعْلِ بَعْضِ هَذَا النَّوْعِ شَرِيفًا وَبَعْضَهُ دَنِيًّا، وَبَعْضَهُ مَرْءُوسًا وَبَعْضَهُ رَئِيسًا، وَبَعْضَهُ مَلِكًا وَبَعْضَهُ سُوقَةً، يُبْطِلُ هَذَا الْقِيَاسَ، كَمَا أَشَارَ سُبْحَانَهُ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: ٣٢] .

وَأَجَابَتْ الرُّسُلُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِقَوْلِهِمْ: {إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: ١١] وَأَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: ٣٣] {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: ٣٤] فَاعْتَبَرُوا الْمُسَاوَاةَ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَهَذَا مُجَرَّدُ قِيَاسِ شَبَهٍ وَجَمْعٍ صُورِيٍّ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: ٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>