للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتْ عَلَى الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا تَمُتْ إلَّا عَلَى تَوْبَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " قُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ " رَدَّ الْمَشِيئَةَ إلَى مَعْنًى خَبَرِيٍّ، أَيْ: وَلَا تَقُومُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ؛ فَهَذَا صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَأَمَّا " بِعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاشْتَرَيْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ صَحَّ وَانْعَقَدَ الْعَقْدُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّعْلِيقَ لَمْ يَكُنْ الْمَذْكُورُ إنْشَاءً، وَتَنَافَى الْإِنْشَاءُ وَالتَّعْلِيقُ؛ إذْ زَمَنُ الْإِنْشَاءِ يُقَارِنُ وُجُودَ مَعْنَاهُ، وَزَمَنُ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ يَتَأَخَّرُ عَنْ التَّعْلِيقِ، فَتَنَافَيَا.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ هَذَا الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْمَشِيئَةِ إمَّا أَنْ يُرِيدَ طَلَاقًا مَاضِيًا أَوْ مُقَارِنًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا - إلَى آخِرِهِ " فَجَوَابُهُ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَشِيئَةَ إلَى هَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَأَنَّ اللَّهَ إنْ كَانَ قَدْ شَاءَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُسْتَثْنِيَ لَمْ يُرِدْ هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَلَّا يَقَعَ الطَّلَاقُ، فَرَدَّهُ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ إنْ شَاءَهُ بَعْدَ هَذَا وَقَعَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُرِيدُ طَلَاقَك، وَلَا أَرَبَ لِي فِيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فَيَنْفُذُ رَضِيتُ أَمْ سَخِطْتُ، كَمَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ شُعَيْبٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: ٨٩] أَيْ: نَحْنُ لَا نَعُودُ فِي مِلَّتِكُمْ، وَلَا نَخْتَارُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا شَيْئًا فَيَنْفُذُ مَا شَاءَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ إبْرَاهِيمُ: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: ٨٠] أَيْ: لَا يَقَعُ بِي مَخُوفٌ مِنْ جِهَةِ آلِهَتِكُمْ أَبَدًا، إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا فَيَنْفُذُ مَا شَاءَهُ.

فَرَدَّ الْأَنْبِيَاءُ مَا أَخْبَرُوا أَلَّا يَكُونَ إلَى مَشِيئَةِ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِلَى عِلْمِهِ اسْتِدْرَاكًا وَاسْتِثْنَاءً، أَيْ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا، وَلَكِنْ إنْ شَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا لَا نَعْلَمُهُ نَحْنُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا حِكْمَتُهُ وَحْدَهُ.

[فَصْلٌ التَّحْقِيقُ فِي مَوْضُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ]

فَصْلٌ:

[التَّحْقِيقُ فِي مَوْضُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ]

فَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنِيَ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " التَّحْقِيقَ أَوْ التَّعْلِيقَ؛ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّحْقِيقَ وَالتَّأْكِيدَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّعْلِيقَ وَعَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الْحَالِ لَمْ تَطْلُقْ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانِ فِي رِعَايَتِهِ: قُلْت: إنْ قَصَدَ التَّأْكِيدَ وَالتَّبَرُّكَ وَقَعَ، وَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ وَجَهِلَ اسْتِحَالَةَ الْعِلْمِ بِالْمَشِيئَةِ فَلَا، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمَحْكِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ، وَكَانَ جَاهِلًا بِاسْتِحَالَةِ الْعِلْم بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ عَلِمَ اسْتِحَالَةَ الْعِلْمِ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى لَمْ يَنْعَقِدْ الِاسْتِثْنَاءُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ عِلْمِهِ بِالِاسْتِحَالَةِ وَجَهْلِهِ بِهَا أَنَّهُ إذَا جَهِلَ اسْتِحَالَةَ الْعِلْمِ بِالْمَشِيئَةِ فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>