للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجِ لَقَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَكَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ مُطْلَقًا، فَلَمَّا خَصَّ الثُّلُثَ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ أَعْطَيْتَهُ مُطْلَقًا لَكَانَ قَوْلُهُ: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: ١١] زِيَادَةً فِي اللَّفْظِ وَنَقْصًا فِي الْمَعْنَى، وَكَانَ ذِكْرُهُ عَدِيمَ الْفَائِدَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُعْطَى السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ لَهَا مَعَ الْوَلَدِ أَوْ الْإِخْوَةِ، فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعْطَى السُّدُسَ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا تُعْطَى الثُّلُثَ، وَكَانَ قِسْمَةُ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ مِثْلَ قِسْمَةِ أَصْلِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ أَصْلًا لَا فِي الْقِيَاسِ وَلَا فِي الْمَعْنَى.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ هَذِهِ دَلَالَةٌ خِطَابِيَّةٌ لَفْظِيَّةٌ أَوْ قِيَاسِيَّةٌ مَحْضَةٌ؟ قِيلَ: هِيَ ذَاتُ وَجْهَيْنِ: فَهِيَ لَفْظِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الْخِطَابِ، وَضَمِّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ، وَاعْتِبَارِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَقِيَاسِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَأَكْثَرُ دَلَالَاتِ النُّصُوصِ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» وَقَوْلِهِ: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَقَوْلِهِ: «مَنْ بَاعَ شِرْكًا لَهُ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ» حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْحَوَانِيتَ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: ٢٣] فَخَصَّ الْإِنَاثَ بِاللَّفْظِ، إذْ كُنَّ سَبَبَ النُّزُولِ، فَنَصَّ عَلَيْهِمْ بِخُصُوصِهِنَّ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ فَهْمِ مَنْ قَالَ مِنْ جَهْلِ الظَّاهِرِ: الْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْفُرُوجُ الْمُحْصَنَاتُ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَفْهَمُهُ السَّامِعُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: ٢٥] . وَلَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] وَلَا مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: ٢٣] بَلْ هَذَا مِنْ عُرْفِ الشَّارِعِ، حَيْثُ يُعَبِّرُ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ عَنْ الْمَعْنَى الْعَامِّ، وَهَذَا غَيْرُ بَابِ الْقِيَاسِ.

وَهَذَا تَارَةً يَكُونُ لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْخَاصِّ صَارَ فِي الْعُرْفِ عَامًّا كَقَوْلِهِ: " لَا يَمْلِكُونَ نَقِيرًا "، وَ {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: ١٣] ، {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: ٤٩] وَنَحْوِهِ، وَتَارَةً لِكَوْنِهِ قَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ خِطَابِ الشَّارِعِ تَعْمِيمُ الْمَعْنَى لِكُلِّ مَا كَانَ مُمَاثِلًا لِلْمَذْكُورِ، وَأَنَّ التَّعْيِينَ فِي اللَّفْظِ لَا يُرَادُ بِهِ التَّخْصِيصُ بَلْ التَّمْثِيلُ، أَوْ لِحَاجَةِ الْمُخَاطَبِ إلَى تَعْيِينِهِ بِالذِّكْرِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُكْمِ.

[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ]

فَصْلٌ:

[مَسْأَلَةُ مِيرَاثِ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ وَأَنَّهُنَّ عَصَبَةٌ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا أَوْجَبَتْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - قَالَ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>