للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الَّذِي أَخَذَتْهُ، فَوَفَّيْتُمْ حِينَئِذٍ بِالْقَاعِدَةِ، وَأَعْطَيْتُمُوهَا الثُّلُثَ كَامِلًا؟

وَالثَّانِي: أَنَّكُمْ هَلَّا جَعَلْتُمْ لَهَا ثُلُثَ الْبَاقِي إذَا كَانَ بَدَلَ الْأَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَدٌّ؟

قِيلَ: قَدْ ذَهَبَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ ذَاهِبُونَ مِنْ السَّلَفِ الطَّيِّبِ، فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَإِلَى الثَّانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَكِنْ أَبَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ، وَقَوْلُهُمْ أَصَحُّ فِي الْمِيزَانِ وَأَقْرَبُ إلَى دَلَالَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّا لَوْ أَعْطَيْنَاهَا الثُّلُثَ كَامِلًا بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَةِ كُنَّا قَدْ خَرَجْنَا عَنْ قَاعِدَةِ الْفَرَائِضِ وَقِيَاسِهَا، وَعَنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْأَبَ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ رُبْعًا وَسُدُسًا، وَالْأُمُّ لَا تُسَاوِيهِ وَلَا تَأْخُذُ شَطْرَهُ، وَهِيَ فِي طَبَقَتِهِ، وَهَذَا لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ قَطُّ، وَدَلَالَةُ الْكِتَابِ لَا تَقْتَضِيهِ.

وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَدِّ فَإِنَّ الْجَدَّ أَبْعَدُ مِنْهَا، وَهُوَ يُحْجَبُ بِالْأَبِ، فَلَيْسَ فِي طَبَقَتِهَا فَلَا يَحْجُبُهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُعْطَى ثُلُثَ الْبَاقِي وَيُفَضَّلُ الْجَدُّ عَلَيْهَا بِمِثْلِ مَا تَأْخُذُ، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي دَرَجَتِهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُعْطَى السُّدُسَ، فَكَانَ فَرْضُهَا الثُّلُثَ كَامِلًا.

وَهَذَا مِمَّا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ النُّصُوصِ بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، أَوْ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوْلَى، أَوْ بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي فِيهِ إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِأَشْبَهِ الْأَصْلَيْنِ بِهِ، أَوْ تَنْبِيهِ اللَّفْظِ، أَوْ إشَارَتِهِ وَفَحْوَاهُ، أَوْ بِدَلَالَةِ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ ضَمُّ نَصٍّ إلَى نَصٍّ آخَرَ، وَهِيَ غَيْرُ دَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ، بَلْ هِيَ أَلْطَفُ مِنْهَا وَأَدَقُّ وَأَصَحُّ كَمَا تَقَدَّمَ.

فَالْقِيَاسُ الْمَحْضُ وَالْمِيزَانُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأُمَّ مَعَ الْأَبِ كَالْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ وَالْأُخْتِ مَعَ الْأَخِ؛ لِأَنَّهُمَا ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الزَّوْجَ ضِعْفَ مَا أَعْطَى الزَّوْجَةَ تَفَضُّلًا لِجَانِبِ الذُّكُورِيَّةِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ هَذَا فِي وَلَدِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالرَّحِمِ الْمُجَرَّدِ وَيُدْلُونَ بِغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْأُمُّ، وَلَيْسَ لَهُمْ تَعْصِيبٌ، بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ، فَإِنَّهُمْ يُدْلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَسَائِرُ الْعَصَبَةِ يُدْلُونَ بِذَكَرٍ كَوَلَدِ الْبَنِينَ وَكَالْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ، فَإِعْطَاءُ الذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مُعْتَبَرٌ فِيمَنْ يُدْلِي بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَصَبَةٍ، وَأَمَّا مَنْ يُدْلِي بِالْأُمُومَةِ كَوَلَدِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا يُفَضَّلُ ذَكَرُهُمْ عَلَى أُنْثَاهُمْ، وَكَانَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى فِي الْأَخْذِ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى فِي بَابِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا فِي بَابِ الْأُبُوَّةِ وَلَا الْبُنُوَّةِ وَلَا الْأُخُوَّةِ، فَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الصَّحِيحُ، وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

وَقَدْ تَنَاظَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْعُمَرِيَّتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إعْطَاؤُهَا الثُّلُثَ كُلَّهُ مَعَ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ كَمَا قَالَ، بَلْ كِتَابُ اللَّهِ يَمْنَعُ إعْطَاءَهَا الثُّلُثَ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا الثُّلُثَ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>