للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - قَالَ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] فَقَوْلُهُ: {كَانُوا} [النساء: ١٢] ضَمِيرُ جَمْعٍ، ثُمَّ قَالَ: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] فَذَكَرَهُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الْمُضْمَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَهُمْ} [النساء: ١٢] وَالْمُظْهَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {شُرَكَاءُ} [النساء: ١٢] وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا قَوْلَهُ: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: ١٢] فَذَكَرَ حُكْمَ الْوَاحِدِ وَحُكْمَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الِاثْنَيْنِ قَطْعًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: {أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: ١٢] أَيْ أَكْثَرَ مِنْ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ، وَلَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأُخْتِ وَالْأَخِ، بَلْ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي الْفَرَائِضِ تَتَنَاوَلُ الْعَدَدَ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدِ مُطْلَقًا، ثَلَاثَةً كَانَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١٧٦] وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ قَدْ يَخْتَصُّ بِالِاثْنَيْنِ مَعَ الْبَيَانِ وَعَدَمِ اللَّبْسِ، كَالْجَمْعِ الْمُضَافِ إلَى اثْنَيْنِ مِمَّا يَكُونُ الْمُضَافُ فِيهِ جُزْءًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ كَجُزْئِهِ، نَحْوُ " قُلُوبِهِمَا " وَ " أَيْدِيهِمَا " فَكَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الِاثْنَيْنِ مِمَّا فَوْقَهُمَا مَعَ الْبَيَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: اخْتِصَاصُهُ بِالِاثْنَيْنِ. الثَّانِيَةُ: صَلَاحِيَّتُهُ لَهُمَا. الثَّالِثَةُ: اخْتِصَاصُهُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِمَا، وَهَذِهِ الْحَالُ لَهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ تَقْيِيدِهِ فَبِحَسَبِ مَا قُيِّدَ بِهِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالَيْنِ، فَظَهَرَ أَنَّ فَهْمَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ أَحْسَنُ مِنْ فَهْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَجْبِ الْأُمِّ بِالِاثْنَيْنِ، كَمَا فَهْمُهُمْ فِي الْعُمَرِيَّتَيْنِ أَتَمُّ مِنْ فَهْمِهِ، وَقَوَاعِدُ الْفَرَائِضِ تَشْهَدُ لِقَوْلِهِمْ، فَإِنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فِي طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ كَالِابْنِ وَالْبِنْتِ وَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَالْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ فَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الذَّكَرُ ضِعْفَ مَا تَأْخُذُهُ الْأُنْثَى أَوْ يُسَاوِيهَا، فَأَمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْأُنْثَى ضِعْفَ الذَّكَرِ فَهَذَا خِلَافُ قَاعِدَةِ الْفَرَائِضِ الَّتِي أَوْجَبَهَا شَرْعُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ، وَقَدْ عَهِدْنَا اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - أَعْطَى الْأَبَ ضِعْفَ مَا أَعْطَى الْأُمَّ إذَا انْفَرَدَ الْأَبَوَانِ بِمِيرَاثِ الْوَلَدِ، وَسَاوَى بَيْنَهُمَا فِي وُجُودِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يُفَضِّلْهَا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ جَعْلُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ نَصِيبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَثْلَاثًا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْكِتَابُ وَالْمِيزَانُ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ مِنْ الْمَالِ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ إذْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا، وَمَا يَأْخُذُهُ الْأَبَوَانِ يَأْخُذَانِهِ بِالْقَرَابَةِ، فَصَارَا هُمَا الْمُسْتَقِلَّيْنِ بِمِيرَاثِ الْوَلَدِ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ، وَهُمَا فِي طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقُسِمَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَهُنَا سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّكُمْ هَلَّا أَعْطَيْتُمُوهَا ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ إذَا أَخَذَتْ الرُّبْعَ وَأَخَذَتْ هِيَ الثُّلُثَ كَانَ الْبَاقِي لِلْأَبِ وَهُوَ أَكْثَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>