للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ: وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ ثُمَّ نَهَاهُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ.

قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: أَرَادَ بِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَدِيثَ جَابِرٍ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ نَفْسِهِ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ، وَلَهُ عَبْدٌ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ» ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ هُوَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُفْلِسِ، وَلَا عِتْقُهُ، وَلَا صَدَقَتُهُ إلَّا بِإِذْنِ غُرَمَائِهِ، وَكَذَلِكَ الْمِدْيَانُ الَّذِي لَمْ يُفَلِّسْهُ غُرَمَاؤُهُ فِي عِتْقِهِ وَهِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي لَا يُخْتَارُ غَيْرُهُ، وَعَلَى هَذَا فَالْحِيلَةُ لِمَنْ تَبَرَّعَ غَرِيمُهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ عِتْقٍ، وَلَيْسَ فِي مَالِهِ سَعَةٌ لَهُ وَلِدَائِنِهِ؛ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بُطْلَانَ هَذَا التَّبَرُّعِ، وَيَسْأَلَهُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ حَاكِمٌ يَحْكُمُ بِذَلِكَ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ إذَا خَافَ مِنْهُ ذَلِكَ الضَّمِينَ أَوْ الرَّهْنَ، فَإِنْ بَادَرَ الْغَرِيمُ وَتَبَرَّعَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ ضَاقَتْ الْحِيلَةُ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ غَيْرُ أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّوَصُّلُ إلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ أَعْيَانُ أَمْوَالِ الْغُرَمَاءِ، فَيَمْتَنِعُ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ قَدَّمَ تَارِيخَ الْإِقْرَارِ بَطَلَ التَّبَرُّعُ الْمُتَقَدِّمُ أَيْضًا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ حِيلَةٌ عَلَى إبْطَالِ حَقٍّ، وَلَا تَحْقِيقِ بَاطِلٍ، بَلْ عَلَى إبْطَالِ جَوْرٍ وَظُلْمٍ؛ فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ خَوْفُ الدَّائِنِ مِنْ جَحْدِ الْمَدِينِ]

[خَوْفُ الدَّائِنِ مِنْ جَحْدِ الْمَدِينِ]

الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: إذَا كَانَ لَهُ [عَلَيْهِ] دَيْنٌ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ، وَخَافَ أَنْ يَجْحَدَهُ، أَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِهِ، وَيَخَافُ أَنْ يَمْطُلَهُ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَدِينَ مِنْهُ بِقَدْرِ دَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِهِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا، فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ نَظِيرُ دَيْنِهِ قَاصَّهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عَلَى أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ، فَإِنْ حَذَّرَ غَرِيمَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَةً، وَلَا يُعَيِّنَ الثَّمَنَ، وَيُخْرِجَ النَّقْدَ فَيَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا قَبَضَ السِّلْعَةَ وَطَلَبَ مِنْهُ الثَّمَنَ قَاصَّهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَطَرِيقُ الْحِيلَةِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ نَظِيرَ مَالِهِ.

[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ خَوْفُ زَوْجِ الْأَمَةِ مِنْ رِقِّ أَوْلَادِهِ]

[خَوْفُ زَوْجِ الْأَمَةِ مِنْ رِقِّ أَوْلَادِهِ]

الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: إذَا خَافَ الْعَنَتَ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلَ حُرَّةٍ وَكَرِهَ رِقَّ أَوْلَادِهِ، فَالْحِيلَةُ فِي عِتْقِهِمْ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى السَّيِّدِ أَنَّ مَا وَلَدَتْهُ زَوْجَتُهُ مِنْهُ مِنْ الْوَلَدِ فَهُمْ أَحْرَارٌ، فَكُلُّ وَلَدٍ تَلِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْوِلَادَةِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَحْفَظُ فِيهِ خِلَافًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>