للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخَادِعًا لِلَّهِ، وَقَالُوا: مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ، وَعَلَى بُطْلَانِ هَذَا النِّكَاحِ نَحْوَ سِتِّينَ دَلِيلًا.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ أَظْهَرَا خِلَافَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ فَالْعِبْرَةُ لِمَا أَضْمَرَاهُ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ وَقَصَدَاهُ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ أَشْهَدَا اللَّهَ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمَا فَلَا يَنْفَعُهُمَا تَرْكُ التَّكَلُّمِ بِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَهُوَ مَطْلُوبُهُمَا وَمَقْصُودُهُمَا.

الصُّورَةُ السَّادِسَةُ: أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ فِي الظَّاهِرِ، وَقَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ خِلَافُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَظْلُومٍ؛ فَهَذَا لَا يَنْفَعُهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ، وَيَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ اعْتِبَارًا بِمَقْصِدِهِ وَنِيَّتِهِ.

الصُّورَةُ السَّابِعَةُ: إذَا اشْتَرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ مُكْرَهًا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ قَدْ حَصَلَ صُورَةُ الْعَقْدِ؛ لِعَدَمِ قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ رُوحُ الْعَقْدِ وَمُصَحِّحُهُ وَمُبْطِلُهُ، فَاعْتِبَارُ الْمَقْصُودِ فِي الْعُقُودِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْأَلْفَاظِ؛ فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا، وَمَقَاصِدُ الْعُقُودِ هِيَ الَّتِي تُرَادُ لِأَجْلِهَا، فَإِذَا أُلْغِيَتْ وَاعْتُبِرَتْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَا تُرَادُ لِنَفْسِهَا كَانَ هَذَا إلْغَاءً لِمَا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَاعْتِبَارًا لِمَا قَدْ يَسُوغُ إلْغَاؤُهُ، وَكَيْفَ يُقَدَّمُ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الَّذِي قَدْ ظَهَرَ كُلَّ الظُّهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ؟ بَلْ قَدْ يَقْطَعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَدْ ظَهَرَ بَلْ قَدْ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَكَيْفَ يُنْكَرُ عَلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ مَنْ يَسْلُكُ هَذَا؟ وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ إيرَادِ الظَّاهِرِيَّةِ؟ فَإِنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ تَمَسَّكُوا بِأَلْفَاظِ النُّصُوصِ وَأَجْرَوْهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا حَيْثُ لَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ خِلَافُهَا، وَأَنْتُمْ تَمَسَّكْتُمْ بِظَوَاهِرِ أَلْفَاظِ غَيْرِ الْمَعْصُومِينَ حَيْثُ يَقَعُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ خِلَافُهَا، فَأَهْلُ الظَّاهِرِ أَعْذَرُ مِنْكُمْ بِكَثِيرٍ، وَكُلُّ شُبْهَةٍ تَمَسَّكْتُمْ بِهَا فِي تَسْوِيغِ ذَلِكَ فَأَدِلَّةُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي تَمَسُّكِهِمْ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ أَقْوَى وَأَصَحُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْإِنْصَافَ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ حِلْيَةٍ تَحَلَّى بِهَا الرَّجُلُ، خُصُوصًا مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ حَكَمًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْمَذَاهِبِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: ١٥] فَوَرَثَةُ الرَّسُولِ مَنْصِبُهُمْ الْعَدْلُ بَيْنَ الطَّوَائِفِ وَأَلَّا يَمِيلَ أَحَدُهُمْ مَعَ قَرِيبِهِ وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ وَمَتْبُوعِهِ، بَلْ يَكُونُ الْحَقُّ مَطْلُوبَهُ، يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَنْزِلُ بِنُزُولِهِ، يَدِينُ دِينَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَيُحَكِّمُ الْحُجَّةَ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي قَدْ شَمَّرَ إلَيْهِ، وَمَطْلُوبُهُ الَّذِي يَحُومُ بِطَلَبِهِ عَلَيْهِ، لَا يَثْنِي عَنَانَهُ عَنْهُ عَذْلُ عَاذِلٍ، وَلَا تَأْخُذُهُ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَلَا يَصُدُّهُ عَنْهُ قَوْلُ قَائِلٍ.

[الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا مَعَانِيَهَا]

[الْعِبْرَةُ بِالْقَصْدِ لَا بِالْأَلْفَاظِ]

وَمَنْ تَدَبَّرَ مَصَادِرَ الشَّرْعِ وَمَوَارِدَهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْغَى الْأَلْفَاظَ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا مَعَانِيَهَا، بَلْ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ كَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي وَالسَّكْرَانِ وَالْجَاهِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>