للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاطِنِ، وَحَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا أَظْهَرَ خِلَافَ ذَلِكَ تَوَصُّلًا إلَى وَطْءِ الْفَرْجِ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ.

فَأَظْهَرَ تَمْلِيكًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَكِتَابَةً عَنْ غَيْرِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ عَنْ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ.

[فَصْلٌ حِيلَةِ الْعَقَارِبِ وَإِبْطَالِهَا]

فَصْلٌ

[بَيَانُ حِيلَةِ الْعَقَارِبِ وَإِبْطَالِهَا]

وَمِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ الْبَاطِلَةِ الْحِيَلُ الَّتِي تُسَمَّى حِيلَةَ الْعَقَارِبِ، وَلَهَا صُوَرٌ؛ مِنْهَا: أَنْ يُوقِفَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ وَيَشْهَدَ عَلَى وَقْفِهَا وَيَكْتُمَهُ ثُمَّ يَبِيعَهَا، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ سَكَنَهَا أَوْ اسْتَغَلَّهَا بِمِقْدَارِ ثَمَنِهَا أَظْهَرَ كِتَابَ الْوَقْفِ وَادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: أَنَا وَزَنْت الثَّمَنَ، قَالَ: وَانْتَفَعْتُ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ فَلَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ مَجَّانًا، وَمِنْهَا: أَنْ يُمَلِّكَهَا لِوَلَدِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ، وَيَكْتُمَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعَهَا، ثُمَّ يَدَّعِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ مَلَّكَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيُعَامِلُهُ تِلْكَ الْمُعَامَلَةَ وَضَمَّنَهُ الْمَنَافِعَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِوَلَدِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ، وَيَكْتُمَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُؤَجِّرَهَا مِنْ شَخْصٍ آخَرَ، فَإِنْ ارْتَفَعَ الْكَرْيُ أَخْرَجَ الْإِجَارَةَ الْأُولَى، وَفَسَخَ إجَارَةَ الثَّانِي، وَإِنْ نَقَصَ الْكَرْيُ أَوْ اسْتَمَرَّ أَبْقَاهَا؛ وَمِنْهَا: أَنْ يَرْهَنَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ، ثُمَّ يَبِيعَهَا وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ فَيَنْتَفِعَ بِهِ مُدَّةً، فَمَتَى أَرَادَ فَسْخَ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعَ الْمَبِيعِ أَظْهَرَ كِتَابَ الرَّهْنِ.

وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْعَقَارِبِ الَّتِي يَأْكُلُ بِهَا أَشْبَاهُ الْعَقَارِبِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَيُمْشِيهَا لَهُمْ مَنْ رَقَّ عِلْمُهُ وَدِينُهُ وَلَمْ يُرَاقِبْ اللَّهَ وَلَمْ يَخَفْ مَقَامَهُ تَقْلِيدًا لِمَنْ قَلَّدَ قَوْلَهُ فِي تَضْمِينِ الْمَقْبُوضِ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ؛ فَيَجْعَلُ قَوْلَهُ إعَانَةً لِهَذَا الظَّالِمِ الْمُعْتَدِي عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلَا يَجْعَلُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ غَيْرُهُ إعَانَةً لِلْمَظْلُومِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ بِشِقِّ الْحَدِيثِ وَهُوَ: «اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .

وَاكْتَفَى بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ دُونَ مَا بَعْدَهَا، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ تَجْوِيزِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَنَصْرِ الظَّالِمِ، وَإِضَاعَةِ حَقِّ الْمَظْلُومِ جِهَارًا.

وَذَلِكَ الْإِمَامُ وَإِنْ قَالَ: " إنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَضْمَنُ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ " فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْمَقْبُوضَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ - الَّذِي هُوَ حِيلَةٌ وَمَكْرٌ وَخِدَاعٌ وَظُلْمٌ مَحْضٌ لِلْمُشْتَرِي وَغُرُورٌ لَهُ - يُوجِبُ تَضْمِينَهُ وَضَيَاعَ حَقِّهِ وَأَخْذَ مَالِهِ كُلِّهِ وَإِيدَاعَهُ فِي الْحَبْسِ عَلَى مَا بَقِيَ وَإِخْرَاجَ الْمِلْكِ مِنْ يَدِهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَشْتَرِي الْأَرْضَ أَوْ الْعَقَارَ وَتَبْقَى فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً تَزِيدُ أُجْرَتُهَا عَلَى ثَمَنِهَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعَقَارُ، وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَيُبْقِي الْبَاقِيَ بِقَدْرِ الثَّمَنِ مِرَارًا، فَرُبَّمَا أَخَذَ مَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ وَفَضَلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>