للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ فَضْلَةٌ، فَيَجْتَاحُ الظَّالِمُ الْمَاكِرُ مَالَهُ وَيَدَعُهُ عَلَى الْأَرْضِ الْخَالِيَةِ، فَحَاشَا إمَامًا وَاحِدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا لِهَذَا الْعَقْرَبِ الْخَبِيثِ عَلَى هَذَا الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالْوَاجِبُ عُقُوبَةُ مِثْلِ هَذَا الْعُقُوبَةَ الَّتِي تَرْدَعُهُ عَنْ لَدْغِ النَّاسِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى اسْتِهْلَالِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَأَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ طَلَبِ عِوَضِ الْمَنْفَعَةِ.

أَمَّا عَلَى أَصْلِ مَنْ لَا يُضَمِّنُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ - وَهُمْ الْجُمْهُورُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهِيَ أَصَحُّهُمَا دَلِيلًا - فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَنْ يُضَمِّنُ الْغَاصِبَ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَتَأَتَّى تَضْمِينُ هَذَا عَلَى قَاعِدَتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِغَاصِبٍ، وَإِنَّمَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْبَائِعَ غَرَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِلَا عِوَضٍ، وَأَنْ يَضْمَنَ الْمَبِيعَ بِثَمَنِهِ لَا بِقِيمَتِهِ؛ فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ تَلِفَ مِنْ ضَمَانِهِ بِثَمَنِهِ، فَإِذَا انْتَفَعَ بِهِ انْتَفَعَ بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ، وَلَوْ قُدِّرَ وُجُوبُ الضَّمَانِ فَإِنَّ الْغَارَّ هُوَ الَّذِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ بِغُرُورِهِ، وَكُلُّ مَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَا بُدَّ.

وَلَا يُقَالُ: الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْإِتْلَافَ، وَقَدْ وُجِدَ مُتَسَبِّبٌ وَمُبَاشِرٌ، فَيُحَالُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُبَاشِرِ؛ فَإِنَّ هَذَا غَلَطٌ مَحْضٌ هَاهُنَا؛ فَإِنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ مَالُ الْمُشْتَرِي الَّذِي تَلِفَ عَلَيْهِ بِالتَّضْمِينِ، وَإِنَّمَا تَلِفَ بِتَسَبُّبِ الْغَارِّ، وَلَيْسَ هَاهُنَا مُبَاشِرٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّا إذَا ضَمَّنَّا الْمَغْرُورَ فَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى تَضْمِينِ الْغَارِّ ابْتِدَاءً.

قِيلَ: هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَلِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا نَقَصَ، وَنَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ نَقْصَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَهَذَا أَفْقَهُ النَّصَّيْنِ وَأَقْرَبُهُمَا إلَى الْعَدْلِ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ غَرَسَ وَبَنَى غِرَاسًا وَبِنَاءً مَأْذُونًا فِيهِ، وَلَيْسَ ظَالِمًا بِهِ، فَالْعِرْقُ لَيْسَ بِظَالِمٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُهُ حَتَّى يَضْمَنَ لَهُ نَقْصَهُ، وَالْبَائِعُ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ الْمُسْتَحِقَّ بِبَيْعِهِ مَالَهُ وَغَرَّ الْمُشْتَرِيَ بِبِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ؛ فَإِذَا أَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ مَالِهِ ضَمِنَ لِلْمَغْرُورِ مَا نَقَصَ بِقَلْعِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الظَّالِمِ، وَكَانَ تَضْمِينُهُ لَهُ أَوْلَى مِنْ تَضْمِينِ الْمَغْرُورِ ثُمَّ تَمْكِينُهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَارِّ.

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَبَضَ مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبٍ بِبَيْعٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ اتِّهَابٍ أَوْ إجَارَةٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مَالِكٌ لِذَلِكَ أَوْ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>