وَفَاةِ زَوْجِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْتَدُّ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: تَحِلُّ حِينَ تَضَعُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَأَنَا مَعَ ابْن أَخِي، فَأَرْسَلُوا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: «قَدْ وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِيَسِيرٍ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتَزَوَّجَ» .
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ رُجُوعِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ إلَى السُّنَّةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ: إنَّمَا نَأْخُذُ بِالرَّأْيِ مَا لَمْ نَجِدْ الْأَثَرَ، فَإِذَا جَاءَ الْأَثَرُ تَرَكْنَا الرَّأْيَ، وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمُلَقَّبُ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ: لَا قَوْلَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَحَّ الْخَبَرُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ أَصْحَابٌ يَنْتَحِلُونَ مَذْهَبَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا، بَلْ إمَامًا مُسْتَقِلًّا كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَدْخَلِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيِّ، قَالَ: طَبَقَاتُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ خَمْسَةٌ: الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنْبَلِيَّةُ، وَالرَّاهَوِيَّةُ، وَالْخُزَيْمِيَّةُ أَصْحَابُ ابْنِ خُزَيْمَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا حَدَّثَ الثِّقَةُ عَنْ الثِّقَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ ثَابِتٌ، وَلَا يُتْرَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ أَبَدًا، إلَّا حَدِيثٌ وُجِدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَرُ يُخَالِفُهُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ: مَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إلَّا بِإِتْيَانِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِي قَائِلٌ: دُلَّنِي عَلَى أَنَّ عُمَرَ عَمِلَ شَيْئًا ثُمَّ صَارَ إلَى غَيْرِهِ لِخَبَرٍ نَبَوِيٍّ، قُلْت لَهُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ» فَرَجَعَ إلَيْهِ عُمَرُ، وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو وَابْنُ طَاوُسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَأً سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ شَيْئًا، فَقَامَ «حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: كُنْت بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي، فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمُسَطَّحٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ» ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ لَمْ نَسْمَعْ فِيهِ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا، أَوْ قَالَ: إنْ كِدْنَا لِنَقْضِيَ فِيهِ بِرَأْيِنَا، فَتَرَكَ اجْتِهَادَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلنَّصِّ.
[يُصَارُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَإِلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ]
[يُصَارُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَإِلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ] : وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ؛ إذْ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ كَمَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٧٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute