بِسَبِيلٍ وَلَا يَكُونُ فِيهِمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يُرَاقِبُ اللَّهَ؟ وَلَوْ عُرِضَ عَلَى جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ هَذَا الْحُكْمُ وَالْحُكْمُ بِتَحْلِيفِ الْعَدُوِّ الَّذِي وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِهِ بِأَنَّهُ مَا قَتَلَهُ لَرَأَوْا أَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدْلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْ سُئِلَ كُلُّ سَلِيمِ الْحَاسَّةِ عَنْ قَاتِلِ هَذَا لَقَالَ مَنْ وُجِدَ فِي دَارِهِ، وَاَلَّذِي يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ أَنْ يُرَى قَتِيلٌ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَعَدُوُّهُ هَارِبٌ بِسِكِّينٍ مُلَطَّخَةٍ بِالدَّمِ وَيُقَالُ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَيَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ، وَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ وَأَعْدَلِهَا وَأَلْصَقِهَا بِالْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، الَّذِي لَوْ اتَّفَقَتْ الْعُقَلَاءُ لَمْ يَهْتَدُوا لِأَحْسَنَ مِنْهُ، بَلْ وَلَا لِمِثْلِهِ. وَأَيْنَ مَا تَضَمَّنَهُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ مِنْ حِفْظِ الدِّمَاءِ إلَى مَا تَضَمَّنَهُ تَحْلِيفُ مَنْ لَا يُشَكُّ مَعَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تُفِيدُ الْقَطْعَ أَنَّهُ الْجَانِي؟ .
وَنَظِيرُ هَذَا إذَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ حَاسِرَ الرَّأْسِ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ وَآخَرَ أَمَامَهُ يَشْتَدُّ عَدْوًا وَفِي يَدِهِ عِمَامَةٌ وَعَلَى رَأْسِهِ أُخْرَى؛ فَإِنَّا نَدْفَعُ الْعِمَامَةَ الَّتِي بِيَدِهِ إلَى حَاسِرِ الرَّأْسِ وَنَقْبَلُ قَوْلَهُ، وَلَا نَقُولُ لِصَاحِبِ الْيَدِ: الْقَوْلُ قَوْلُك مَعَ يَمِينِك.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» لَا يُعَارِضُ الْقَسَامَةَ بِوَجْهٍ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْإِعْطَاءَ بِدَعْوَى مُجَرَّدَةٍ. وَقَوْلُهُ: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» هُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ لَا تَكُونُ مَعَ الْمُدَّعِي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى رَجْمِ الْمَرْأَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ إذَا نَكَلَتْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إقَامَةً لِلْحَدِّ بِمُجَرَّدِ أَيْمَانِ الزَّوْجِ، بَلْ بِهَا وَبِنُكُولِهَا، وَهَكَذَا فِي الْقَسَامَةِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِيهَا بِاللَّوَثِ الظَّاهِرِ وَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَهَاتَانِ بَيِّنَتَا هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْبَيِّنَاتُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ الْمَشْهُودِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، وَثَلَاثَةٌ، بِالنَّصِّ وَإِنْ خَالَفَهُ مَنْ خَالَفَهُ فِي بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ، وَاثْنَانِ، وَوَاحِدٌ وَيَمِينٌ، وَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَرَجُلٌ وَاحِدٌ، وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ، وَخَمْسُونَ يَمِينًا، وَنُكُولٌ وَشَهَادَةُ الْحَالِ، وَوَصْفُ الْمَالِكِ اللُّقَطَةَ، وَقِيَامُ الْقَرَائِنِ، وَالشَّبَهُ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ الْقَائِفُ، وَمَعَاقِدُ الْقُمُطِ، وَوُجُوهُ الْآجُرِّ فِي الْحَائِطِ، وَكَوْنُهُ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ؛ فَالْقَسَامَةُ مَعَ اللَّوَثِ أَقْوَى الْبَيِّنَاتِ.
[رَدُّ السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ]
الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَبِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قِيَاسٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: الرُّطَبُ وَالتَّمْرُ إمَّا أَنْ يَكُونَا جِنْسَيْنِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يُمْنَعُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَأَنْتَ إذَا نَظَرْت إلَى هَذَا الْقِيَاسِ رَأَيْته مُصَادِمًا لِلسُّنَّةِ أَعْظَمَ مُصَادَمَةٍ، وَمَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ، بَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَحَدُهُمَا أَزْيَدُ مِنْ الْآخَرِ قَطْعًا بِلِينَتِهِ فَهُوَ أَزْيَدُ أَجْزَاءً مِنْ الْآخَرِ بِزِيَادَةٍ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا وَتَمْيِيزُهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ مِنْ الرُّطَبِ مَا يَتَسَاوَيَانِ بِهِ عِنْدَ الْكَمَالِ؛ إذْ هُوَ ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute