يُسَلِّطَ أَعْدَاءَ الدِّينِ عَلَى الْقَدْحِ فِيهِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِهِ وَبِمَنْ شَرَعَهُ، وَالثَّامِنُ: أَنَّهُ يُعْمِلُ فِكْرَهُ وَاجْتِهَادَهُ فِي نَقْضِ مَا أَبْرَمَهُ الرَّسُولُ وَإِبْطَالِ مَا أَوْجَبَهُ وَتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَهُ، وَالتَّاسِعُ: أَنَّهُ إعَانَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الطَّرِيقُ؛ فَهَذَا يُعِينُ عَلَيْهِ بِحِيلَةٍ ظَاهِرُهَا صَحِيحٌ مَشْرُوعٌ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَيْهِ، وَذَاكَ يُعِينُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِهِ الْمُفْضِيَةِ إلَيْهِ بِنَفْسِهَا، فَكَيْفَ كَانَ هَذَا مُعِينًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالْمُتَحَيِّلُ الْمُخَادِعُ يُعِينُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؟ الْعَاشِرُ: أَنَّ هَذَا ظُلْمٌ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَحَقِّ دِينِهِ وَحَقِّ نَفْسِهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ وَحُقُوقِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ يُغْرِي بِهِ وَيَعْلَمُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْمُتَوَصِّلُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْمَعْصِيَةِ لَا يَظْلِمُ إلَّا نَفْسَهُ. وَمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ ظُلْمُهُ مِنْ الْمُعِينِينَ فَإِنَّهُ لَا يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ دِينٌ وَشَرْعٌ وَلَا يَقْتَدِي بِهِ النَّاسُ، فَأَيْنَ فَسَادُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ وَضَرَرُهُ مِنْ ضَرَرِهِ؟ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصْلٌ حُجَجُ الَّذِينَ جَوَّزُوا الْحِيَلَ]
فَصْلٌ
[حُجَجُ الَّذِينَ جَوَّزُوا الْحِيَلَ] : قَالَ أَرْبَابُ الْحِيَلِ: قَدْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ ذَمِّ الْحِيَلِ، وَأَجْلَبْتُمْ بِخَيْلِ الْأَدِلَّةِ وَرَجْلِهَا وَسَمِينِهَا وَمَهْزُولِهَا، فَاسْتَمِعُوا الْآنَ تَقْرِيرَهَا وَاشْتِقَاقَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا إنْكَارُهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ أَيُّوبَ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] فَأَذِنَ لِنَبِيِّهِ أَيُّوبَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ يَمِينِهِ بِالضَّرْبِ بِالضِّغْثِ، وَقَدْ كَانَ نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرَبَاتٍ مَعْدُودَةً، وَهِيَ فِي الْمُتَعَارَفِ الظَّاهِرِ إنَّمَا تَكُونُ مُتَفَرِّقَةً؛ فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إلَى الْحِيلَةِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْيَمِينِ، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ سَائِرَ الْبَابِ، وَنُسَمِّيه وُجُوهُ الْمَخَارِجِ مِنْ الْمَضَائِقِ، وَلَا تُسَمِّيه بِالْحِيَلِ الَّتِي يَنْفِرُ النَّاسُ مِنْ اسْمِهَا.
وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ جَعَلَ صُوَاعَهُ فِي رَحْلِ أَخِيهِ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى أَخْذِهِ مِنْ إخْوَتِهِ، وَمَدَحَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ بِرِضَاهُ وَإِذْنِهِ، كَمَا قَالَ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦] فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا كَيْدُهُ لِنَبِيِّهِ وَأَنَّهُ بِمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ يَرْفَعُ دَرَجَةَ عَبْدِهِ بِلَطِيفِ الْعِلْمِ وَدَقِيقِهِ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ سِوَاهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: ٥٠] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مَكَرَ بِمَنْ مَكَرَ بِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْحِيَلِ هَذَا شَأْنُهَا، يَمْكُرُ بِهَا عَلَى الظَّالِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute