للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ جَارِيَةً بَعْدَ أَنْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُهُ إيَّاهَا]

تَزْوِيجُ عَبْدِهِ جَارِيَةً بَعْدَ أَنْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُهُ إيَّاهَا]

الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا طَلَبَ عَبْدُهُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ جَارِيَتَهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَلَّا يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا، فَالْحِيلَةُ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِهِ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ أَنْ يَبِيعَهُمَا جَمِيعًا أَوْ يُمَلِّكَهُمَا لِمَنْ يَثِقُ بِهِ، ثُمَّ يُزَوِّجَهُمَا الْمُشْتَرِي، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَرَدَّهُمَا وَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزَوِّجْ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَى أَصْلِنَا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِنْثٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحِنْثُ بِاسْتِدَامَةِ الْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ وَقَدْ تَقَضَّى، وَإِنَّمَا بَقِيَ حُكْمُهُ فَلَمْ يَحْنَثْ بِاسْتِدَامَتِهِ، قَالَ: وَيُفَارِقُ هَذَا إذَا حَلَفَ عَلَى عَبْدِهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَبَاعَهُ وَدَخَلَهَا ثُمَّ مَلَكَهُ وَدَخَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْمِلْكِ كَمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمِلْكِ الْأَوَّلِ.

قَالَ: وَقَدْ عَلَّقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَهَنْت كَذَا وَكَذَا " فَإِذَا هِيَ قَدْ رَهَنَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَنِثَ، قَالَ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: " إنْ كُنْت رَهَنْتِيهِ " فَيَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْحَمْلِ مِنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِ كَلَامِ السَّائِلِ وَكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ أَمَّا كَلَامُ السَّائِلِ فَظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ رَهْنًا تُنْشِئُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَإِنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ تُخَلِّصُ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ لِلِاسْتِقْبَالِ، فَهَذَا الْفِعْلُ مُسْتَقْبَلٌ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَالِاسْتِعْمَالِ.

وَأَمَّا كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَوْ فَهِمَ مِنْ السَّائِلِ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي لَجَزَمَ بِالْحِنْثِ، وَلَمْ يَقُلْ: " أَخَاف " فَهُوَ إنَّمَا يُطْلِقُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِيمَا عِنْدَهُ فِيهِ نَوْعُ تَوَقُّفٍ. وَاسْتِقْرَاءُ أَجْوِبَتِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

وَإِنَّمَا وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِدَامَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا كَاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلَمَّا كَانَ لَهَا شَبَهٌ بِهَذَا وَشَبَهٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَجْزِمْ بِالْحِنْثِ، بَلْ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَنِثَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ وَالْفُلُوسِ هَلْ تَصِحّ]

[الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ وَالْفُلُوسِ]

الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: هَلْ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ وَالْفُلُوسِ إنْ قُلْنَا هِيَ عُرُوضٌ وَالنُّقُودُ الْمَغْشُوشَةُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنْ جَوَّزْنَا الشَّرِكَةَ بِهَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى حِيلَةٍ، بَلْ يَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ تُجَوَّزْ الشَّرِكَةُ بِهَا فَالْحِيلَةُ عَلَى أَنْ يَصِيرَا شَرِيكَيْنِ فِيهَا أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِهِ مُشَاعًا، فَيَصِيرَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَرِيكًا لِصَاحِبِهِ فِي عَرْضِهِ، وَيَصِيرَ عَرْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ. هَذَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَرْضَيْنِ سَوَاءً، فَإِذَا كَانَا مُتَفَاوِتَيْنِ - بِأَنْ يُسَاوِيَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ - فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>